وهكذا يقترب العلم الطبيعي من المرحلة التي سوف يكمل عندها، وحينئذ لن يكون ذا أهمية؛ فحينما تعرف القوانين التي تتحكم في حركات الإلكترونات والبروتونات سيكون الباقي فقط عبارة عن جغرافيا - مجموعة حقائق معينة، تظهر توزيعاتها خلال جزء من تاريخ العالم. ومن المحتمل أن يكون العدد الجم من حقائق (الجغرافيا) المحتاج إليه تعيين تاريخ العالم محدوداً، ومن المستطاع كتابة كل ذلك نظرياً في كتاب ضخم، ليحفظ في بيت (سومرست) ويزود بآلة حاسبة ذات يد تدور، لتعين الطالب على أن يجد الحقائق في أي وقت آخر، بأكثر من هذه النصوص المكتوبة.
وإن لمن الصعوبة بمكان أن نتخيل شيئاً أقل أهمية أو أكثر اختلافاً من الابتهاج الشديد إزاء كشف غير تام، فذلك مثل الصعود إلى جبل شاهق، ثم لا تعثر إلا على مطعم يباع فيه شراب الزنجبيل ويحوطه الضباب، ولكنه مزود باللاسلكي، ولربما كان جدول الضرب مثيراً للعجب أيام أحمس!!
والإنسان جزء من هذا العالم الطبيعي - غير الرائع في ذاته وجسمه كأي مادة أخرى - يتكون من إلكترونات وبروتونات ويخضع تماماً لنفس القوانين، كما تخضع سائر الأشياء التي تدخل في عالم الحيوانات أو النباتات.
وهناك من يقولون: إن الفسيولوجيا: لا تحتاج إلى الطبيعيات، ولكن أداتهم على ذلك غير مقنعة، ومن الحكمة أن نفرض أنهم خاطئين.
ويبدو أن ما نسميه أفكارنا، تعتمد على نظام تلافيف المخ بالطريقة عينها التي تعتمد الأسفار بها على الطرق والسكك الحديدية. ويظهر أيضاً: أن الطاقة المستعملة في التفكير، لها أصل كيميائي - فمثلاً نقص اليود، يحول الرجل الذكي، إلى أبله - والظاهرة العقلية مرتبطة بالبناء المادي للمخ.
ولو كان هذا كذلك، لما استطعنا أن نفرض أن الإلكترون أو البروتون الفرد، يستطيع التفكير، كما لا يمكن أن نتوقع كذلك فرداً واحداً يلعب كرة القدم، ولا يستطيع أيضاً أن نفرض أن تفكير الإنسان يبقى في جسد ميت؛ لأن الموت يمزق نظام المخ ويبدد الطاقة التي تمد تلافيف المخ.