الشعب الضال، والزعماء الأوشاب من طعن يوريبيدز في شرفه؟! أليس قد اشتهر أن زوجته الأولى قد خانته؟ فلماذا يتورعون من إرسال التهمة نفسها عن زوجته الثانية! ثم لماذا لا يدسون إليه من يحدثه بذلك! أليست هي فضيحة والسلام؟ أليس المقصود هو وخز هذه الروح العالية الكريمة المتأبية؟ فماذا ينفع في وخزها إلا صغار هذه الشائعات؟ ألا لا أفلح شعب لا يحرص زعماؤه على الأخلاق، ولا أفلحت أمة يبلغ لها الهوان أن تعبد أمثال أولئك الزعماء!
كان يوريبيدز معتزلاً جميع الناس في كهفه المنفرد، وهذه الضائقة الأخلاقية تفتك بمواطنيه، وكانت أنباء الأزمة تبلغه فيبتسم ساخراً، ثم يعبس عبوسة عميقة مريرة ظهرت آثارها في درامته التي كان ينظمها في ذلك الحين (أورست ٤٠٨ ق. م) والتي حلل فيها أخلاق رجل ملتاث أو به مس لأنه قتل أمه، وكيف أعدي هذا الرجل جميع من حوله بجنونه وخصوصاً أخته ألكترا وصديقه بَيْليدز، وكيف انتهى أعوانه إلى حرق القصر الملكي في آرجوس ليكون أول مشهد من نوعه يعرفه المسرح اليوناني. . .
وبالرغم من روعة أورست وأنها من أقوى ما نظم الشاعر فقد سقطت لأنها من نظم عدو الشعب، الرجل الغني البخيل الذي طالما بخل بأمواله على بلاده في أشد أوقات محنتها. . . هذه تهمة جديدة حاكها الرعاع حول يوريبيدز، لأنه كان يقتني مكتبة من أحفل مكتبات أثينا بالكتب بل من أحفل المكتبات الشخصية في العالم في ذلك العصر الذي كانت تبلغ فيه قيمة الكتاب الواحد مالا قبل للفقير به
إذن فليهاجر يوريبيدز!
ولْيُلب دعوة أهل مجنيزياله، ليحل عليهم ضيفاً حيناً من الزمان، فإن بينه وبينهم صداقةً قديمة ومحبة كانت تجعل لهم منه في أثينا سفيراً يسهر على صوالحهم وييسر حوائجهم. . . وليتلبث عندهم أياماً ثم فَلْيُلَبّ دعوة ملك مقدونيا العظيم الملك آرخيلوس، الذي كان يجمع حوله بلاطاً زاهياً زاهراً من أعظم رجال الفكر والفن في العالم، والذي كان يعتقد أن انتهاء أثينا على هذا النحو المزري لا يعني انتهاء المجد اليوناني، بل يعني هجرة هذا المجد، وما دام أعظم رجال الفكر والفن اليونانيين قد هاجروا، واختاروا بلاط مقدونيا مُهاجراً لهم، فسترث مقدونيا هذا المجد الأثيني الباهر العظيم، وستنهض مقدونيا في عالمي الفكر