وقلما يحسبون حساباً لهذه الفروق بالرغم من أنها قد تجعل الرجلين وهما على عقيدة واحدة وكأنهما على عقيدتين بينهما من البعد مثل ما بين السماء والأرض، وإغفال هذه الفروق يؤدي إلى الاهتمام بمظاهر الدين أكثر من الاهتمام بروحه، والدين معناه في روحه الزكية، فإن رذائل النفوس قد تستولي على مبادئ الدين وتقاليده وعرفه وأخلاقه فلا تأخذ منها غير المظاهر بل إنها قد تزكي نفسها وتهون أمر تركها روح الدين وحقيقته وأخلاقه بالاندفاع في نصرة مظاهره والانفعال في نصرتها وقد يكون انفعالاً لا يُخْفي العقلُ الباطنُ أنه بسبب أن النفس في غيظ شديد من أن روح الدين تخالف أثرتها وفائدتها الدنيوية وأنها لا تستطيع أن توفق بين ورع روح الدين وعفته وبين مطالب الحياة فتضحي بورع روح الدين كي تنال الدنيا أو بعض مطالبها حسب استطاعتها ثم تظهر الغيرة على مظاهر الدين الذي ضحت بروحه وورعه وتغتفر تلك التضحية بتلك الغيرة، والنفس في احتيالها هذا ربما كانت معذورة إلى حد ما إذا لم تغال وتشتط وتقسو وتلوم وتؤذي الناس كي تعذر نفسها لدى نفسها التي ضحت بورع الدين وكفافه وعفته وهي تحسب أنها إذا لم تستطع صيانة روح الدين والتخلق بورعه كي تنال رضاء الله ونعيم الآخرة فهي ربما تنال رضوانه ورحمته ونعيمه بهذا الاحتيال فتجمع إلى نعيم الأخرى الانطلاق في طلب الدنيا وتكفر عن نبذها ورع الدين بالاقتصاص من غيرها وتجعل هذا الاقتصاص قرباناً إلى الله بدل أن تجعل قربانها الصفاء والزهد في الدنايا والعفة عما يتطلبه نيل حطام الدنيا. ولقد قلنا إننا نعذر هذه الروح ونرحمها إذا لم تشتط في هذه الخطة، نعذرها بعض العذر لضعف النفس البشرية ولضرورات الحياة وما تقهر الحياة النفس عليه من الدنايا، ولأن النفس الورعة التقية قد تتردد فيها بالرغم من ورعها هواجس وخواطر طلب الشهوات لنفسها فتحاول أن تكفر عن تلك الخواطر التي تخشاها بالقسوة على من تحبسه مطيعا لها ولأن النفس قلما تفطن إلى باعثها على الانفعال في نصرة مظاهر الدين دون ورعه وتقواه، بل أنها قد تحسب أن الورع هو باعثها وإن كانت لا تتورع، وقلما تفطن النفس إلى أن بين الناس من يستطيعون الجمع بين المجون والقسوة والغباء وبين التدين ونشدان المثل الأعلى بالقول لا بالخلق، وهذه الاستطاعة من مآسي الحياة وربما كانت من ضروراتها المكروهة بسب ضعف النفوس ونقصها وأوضاع الحياة التي تعيش فيها