فينبغي لمن يريد صيانة روح الدين والعقيدة المحمدية السمحة الرضية أن يحذر عند أدائه فروض الدين وفروض الحياة وأن يحاسب نفسه حساباً عسيراً عند أداء تلك الفروض أكثر من محاسبتها عند إهمالها لأن أَلذَّ فرض وواجب وأطيبه لدى النفس وأحلاه عندها هو الواجب الذي يُمكِّنها أداؤه من أن تؤذي الناس وأن تَتَشفَّى بأذاهم من متاعب الحياة وإن كانت لا تفطن إلى ذلك. وما أشد إتلاف متاعب الحياة لصفاء النفوس خفية
فالنفس قد تفضل أداء الواجب الذي يمكنها أداؤه من أذى الناس سواء أكان الذي تؤذيه عدواً أو غريباً عنها وإن كانت تفضل أذى الأول، وأسمج فرض وواجب لدى النفس وأبغضه ليها هو الواجب الذي يتطلب أداؤه ترك شيء من أطايب الدنيا المادية أو المعنوية. والنفس قلما يعوزها عذر تحول به ما تجد فيه سعادة ولذة إلى فرض وواجب.
فنصرة العقيدة الرضية الزكية وصيانة روحها وقدسها من احتيال الروح الدنيوية تقتضي دراسة علم النفس وتطبيقه على النفوس وأعمالها وأساليبها ووسائلها واحتيالها للتوفيق بين القدسية والدنيوية ولو بمخادعة نفسها فلا شيء يقتل أمل الإنسانية في صفاء الدين وقدس فضائله من احتيال أهواء النفس على النفس وتزويرها الحقائق تزويراً يخلط بين حقد النفس الشريرة وبين الغضب المقدس للحق، ويخلط بين الباعث السامي للنفس والباعث غير السامي، ويخلط بين صيانة روح الدين وبين التكفير عن قتل روح الدين في طلب الأهواء بالانفعال في نصرة مظاهره. ومن قرأ تاريخ الأديان في العالم وجد أن بعض القبائل المتأخرة ترى مخرجاً لغرائزها الوضيعة عن طريق الدين. وفي الأمم المتحضرة يوجد أناس يسلكون في إخراج غرائزهم التي يستحيون من إخراجها على حقيقتها مسلك تلك القبائل المتأخرة إما لجهلٍ وإما لما يُسمى في علم النفس بالرجعية النفسية إلى صفات عصور الإنسانية الأولى وهذه الرجعية قد يصاب بها حتى المتعلمون وقد تظهر في أمور كثيرة غير أمور العقيدة.
وهذا غير ما يُخْشى على قدسية الدين من رياء المرائين، وأعظم ما يدعو إلى الحسرة والأسف أن ترى روحاً صافية نقية صادقةً في غيرتها على الدين طائعة منقادة لنفس مرائية تبغي حطام الدنيا، وهذه النفس الثانية أي النفس المخادعة عادة تغلب النفس الأولى، الصافية الطاهرة لأن النفس المتلهفة في طلب حطام الدنيا تخلق لها لهفتها ويخلق لها