أما السحاب الأحمر فهو كتاب كامل. احذف منه فصلاً أو فصلين في أوله، وشيئاً من فضول القول في سائره، تجد فناً في العربية لا يقدر عليه إلا الرافعي، فجرده من قصته أو أنسبه إليها فأنك واجد فيه أدباً يستحق الخلود، وبياناً يزهي على البيان، وشعراً وحكمة ما زال الأدباء يدورون عليها حتى وجدوها في أدب الرافعي.
في رسائل الأحزان أراد الرافعي أن تعرف صاحبته من حاله ومن خبره ما أراد، فأغراها بالترفع والدلال عليه. وفي السحاب الأحمر حاول أن يشعرها أنه قد فرغ من أمرها وفرغت من أمره فمالها عنده إلا البغض والإهمال، وماله عندها إلا اللهفة على ما كان من أيامه. أفتراه في السحاب الأحمر قد بلغ ما أراد؟
هيهات أن يخفى الهوى!
استمع إليه يحاول أن يهيج فيها الغيرة ويبعث اللهفة ويوقظ الحنين ويؤرث البغضاء ويثير الندم؛ فلا يكاد يبلغ آخر الرسالة حتى ينسى ما قصد إليه ليدع لقلبه أن يقول: