فقال سيف الدولة: أحسنت، والله أنت، وأمر له بمائتي دينار، ومن هذا الإسراف والعطاء بلا حساب ما رواه صاحب اليتيمة من أبا فراس كان يوماً بين يدي سيف الدولة في نفر من ندمائه فقال لهم سيف الدولة: أيكم يجيز قولي وليس له إلا سيدي (يعني أبا فراس):
لك جسمي تعُله ... فَدَمِي لِمْ تحِله
لك من قلبي المكا ... نُ فَلِمْ لاَ تحُله
فارتجل أبو فراس:
أنا إن كنت مالكاً ... فلي الأمر كله
فاستحسنه سيف الدولة وأعطاه ضيعة بمنبج تغل ألفي دينار وقصص ينابيع جوده على الشعر أكثر من أن تحصر فقد كان يغدق على من يقصدونه المال الجسيم ويبعث إليهم بالثياب والماشية والوصفاء.
كان من نتيجة هذا العطاء الراجح واليد الطولي أن اجتمع لدى أمير حلب جمهرة من العلماء الفحول أمثال: ابن نباتة، وابن خالويه، والفارابي، وأبي على الفارسي، وكشاجم، والخالديين أبي بكر وأبي عثمان، والصنوبري، والمتنبي، والوأواء، والببغاء، والناشئ، والنامي أبي الحسن السميساطي، وأبي الطيب اللغوي، والسري الرفاء، وأحمد البازيار، وأبي فراس، وعلي بن عبد الملك القاضي، وأبي سلامة القاضي، والطبيب عيسى الرقي. . . وغيرهم من رجال الأدب والعلم الذين سنقف عند كل منهم وقفة نبين فيها آثاره من علم وأدب إن شاء الله.
لم تقف حركة سيف الدولة الأدبية والعلمية على الشام فحسب بل تعدته إلى العراق وفارس، فهذا أبو الفرج الأصفهاني يأتيه من العراق، فيستظل بظله الوارف، ويفيد من عطاياه حين يقدم إليه أول نسخة من كتابه الفريد. وهذا أبو الفرج عبد الواحد الببغاء يأتيه من نصيبين فيصيب عنده مالاً وجاهاً.
وممن أفادوا من رعايته من شعراء بغداد ابن نباتة السعدي، وله في سيف الدولة شعر رائق جزاه عليه أفضل الجزاء، ومن أدباء فارس أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمي، وكان يقول: (ما فتق قلبي، وصقل ذهني، وأرهف حد لساني، وبلغ بي هذا المبلغ إلا تلك الطرائف الشامية واللطائف الحلبية التي علقت بحفظي وامتزجت بأجزاء نفسي، وغصن