الشباب رطيب ورداء الحداثة قشيب) ونحن إذا رحنا نتتبع الفضلاء الذين أموا حلب وأفادوا من سيدها وأميرها وعالمها في القرن الرابع للهجرة ذكرنا العدد الجم مما لا مجال لسرد طرف منه في مقال كهذا.
ظلت بقايا هذه الحركة الحمدانية في حلب بعد أن انقرضت دولة بني حمدان؛ فنحن نجد في القرن الخامس للهجرة - على اضطرابه السياسي والاجتماعي - حركة علمية قوية أفاد منها أبناء الشام كافة. وليس أدل على ذلك مما حفظه لنا أبو عبد الله الكاتب الأصبهاني في (جريدة القصر وجريدة أهل العصر) من الشعراء والأدباء الحلبيين والشاميين في القرن الخامس ممن لم نسمع بذكرهم ولا يعرف عنهم الأدباء المعاصرون شيئاً، فان نظرة واحدة إلى ما احتواه هذا السفر القيم من تراجم الأدباء الشاميين تؤيد ما نريد الذهاب إليه من أن الحركة الأدبية التي قام بها سيف الدولة ظلت تنتج حتى أواخر القرن الخامس، وممن أفاد من هذه الحركة أبو العلاء المعري، فقد ذكر ابن العديم المؤرخ الحي في رسالته (الإنصاف والتحري) أن أبا العلاء بعد أن تلقى العلم واللغة والنحو بمعرة النعمان على والده. . . دخل وهو صبي إلى حلب، فقرأ بها على محمد بن عبد الله بن سعد النحوي راوية أبي الطيب المتنبي وعلى أبي بكر محمد بن مسعود النحوي. . . وممن أفاد من هذه الحركة أيضاً ثابت بن أسلم الشيعي قيم خزانة حلب وكان من كبار النحاة والقراء، ومنهم علي بن منصور بن طالب المعروف بابن القارح وهو الذي كتب إلى أبي العلاء رسالته المشهورة فأجابه أبو العلاء برسالة الغفران.
أما بعد فهذه صفحة من صفحات تاريخ حلب الأدبية الخالدة التي خلفها ابن حمدان فرفع اسم حلب عالياً وخلده في سجل الدب العربي، وما يضير ابن حمدان أن يأخذ عليه بعض المؤرخين أنه كان جائراً على رعيته فإنه ما كان يجور عليها إلا ليحارب العدو بأموالها أو لينفقها في سبيل تعليمها وتأديبها.