أما أنا فآخذ بما ذكره الذهبي عن كافور إذ قال:(كان يدني الشعراء ويجيزهم، وكانت تقرأ عنده في كل ليلة السير وأخبار الدولتين الأموية والعباسية. وكان عظيم الحرمة، وله حجاب)؛ ثم قال:(إنه تقدم لدى الإخشيدي صاحب مصر لعقله ورأيه وسعده إلى أن صار من كبار القواد، ثم أتابك ولده أبي القاسم أنوجور، ووصل إلى زاد ملكه على ملك مولاه الإخشيد). وتكلم على مقدرته وكفايته وحسن تدبيره فقال:(إنه كان خبيراً بالسياسة فطناً ذكياً جيد العقل داهية)، وضرب مثلاً لذلك حين قال:(إنه كان يهادي المعز صاحب المغرب ويظهر ميله إليه وكان يذعن بالطاعة لبني العباس، ويداري ويخدع هؤلاء وهؤلاء حتى تم له الأمر). أليس في ذلك دليل على قوته؟
وأذكر لك ما عثرت عليه من أن كافور كان أول من غزا، ولازمه التوفيق في فتح الأقاليم النوبية، فقد هاجمها قبله أبو منصور تكين التركي هي وبرقة في عام واحد، ولم يتم فتحها على يديه. ولما غزاها كافور كان التوفيق حليفه، لأن جيش المسلمين كان من السودان، وفي ذلك يقول الشاعر:
ولما غزا كافور دنقلة غدا ... بجيش كطول الأرض في مثلها عرض
غزا الأسود السودان في رونق الضحى ... ولما التقى الجمعان أظلمت الأرض
فهو أول من تمت الوحدة على يديه. وهو حامل لواء الإسلام والعروبة في أراضي السودان. ولو شئت أن تعلم عن كافور وأيام كافور وأياديه البيضاء وأنفاسه الطاهرة ومجده وسلطانه وحسن بلائه، فعليك بكتب التأريخ تنبئك عن عقل ودراية وحكمة وسياسة وحسن تصريف للأمور وفهم للناس وطباعهم، وهذه أشياء شهد له بها المعاصرون ووفوه حقه فيها. أما نحن فنرى فيه رجلاً عظيماً من عظماء القرن الرابع الهجري، خدم بإخلاص مولاه الإخشيد، وصان استقلال مصر لسنوات، وواجهته المصاعب والمشاكل والحروب فتغلب عليها وخرج من مآزقها، وهو بطل من أبطال تأريخ مصر العربية، ولذلك تجدني من أنصار كافور ومن المعجبين به ومن الداعين لحفظ ذكراه، ولو كان من الأمر شيء، لبحثت عن قبره، وأقمت قبة عليه، ثم لطلبت من أولي الأمر في مصر والسودان أن يطلق أسمه على ميدان أو شارع بالقاهرة وأم درمان والخرطوم، صيانة لذكره وإقراراً لفضله، وتوكيداً لصلات مصر والسودان.