يخوضوا في هذا، وكان حسبهم أن ينصروا الدين وعلومه، ولو كان لابد لهم أن يتجاوزا إلى أخذ الفريقين لآثروا نصرة العرب تدينا وتقوى. وحسبنا أن نذكر هنا أمثال الحسن البصري، والبخاري، ومسلم، والأمام أبي حنيفة، ومحمد بن جرير الطبري، وابن قتيبة، وابن فارس. على أن المتعصبين أنفسهم قد اتخذوا العربية لغتهم، فلم يكن لهم بد من إمدادها بمعارفهم طوعا أو كرها. والحق أن كراهيتهم للعرب لم تكن كراهة للغة العربية. وأصدق شاهد على هذا أبو عبيدة اللغوي: كان شعوبيا متعصبا على العرب، وأصله يهودي فارسي، وأنت تعلم ما أجدت مؤلفاته على اللغة العربية، وما بذل من جهد لحفظها ورواية آدابها، ومن هذه الآداب كتابه في مثالب العرب.
للفرس يد أخرى على الآداب العربية، هي ترجمتم ذخائر لغتهم إلى اللغة العربية ترجمة حاذق قد اتخذ العربية من لغته بديلا. ولعل عصبيتهم حفزتهم إلى هذا ليحفظوا آثارهم من الضياع وتقوم لهم الحجة بما يترجمون على فضل آبائهم، وعظم حضارتهم، وقد بدأت هذه الترجمة - فيما يظن - أيام الخليفة هشام بن عبد الملك: ترجم جبلة بن سالم كاتب هشام سير ملوك الفرس، ثم جاء زعيم المترجمين ابن المقفع، وعبد الحميد بن أبان، وآل نوبخت. وقد عد صاحب الفهرس أربعة عشر مترجما غير ابن المقفع وأسرة نوبخت.
والكتب التي ترجمت من الفارسية أقسام ثلاثة:
١. كتب في الحكمة: وهذه ليست ذات خطر، فإنما هي فلسفة اليونان جاءت من طريق الفرس، وكان العرب يأخذونها من مصادر خير من الفارسية.
٢. كتب في التاريخ والقصص: مثل كتاب (خداي نامه) أو سير الملوك، وكتاب التاج في سيرة أنوشروان اللذين ترجمهما ابن المقفع، وسيرة أردشير، وسيرة أنوشروان، اللتين ترجمهما أبان اللاحقي. وبعضها مأخوذ عن السجلات الرسمية الفارسية. وهذه الكتب لها أثرها في كتب التاريخ العربي. وهي أصل لكل ما في الكتب العربية من تاريخ الفرس وأساطيرهم، فأخبار الساسانيين في الطبري مثلا مأخوذة منها. يثبت هذا مقارنة الكتب العربية بعضها ببعض وبالكتب الفارسية كالشاهنامه. فهذه الكتب على اختلاف مصادرها المباشرة تتفق في سرد التاريخ اتفاقا يؤدي إلى الاعتقاد بأنها أخذت من أصل واحد.
٣. كتب المواعظ والآداب والسياسة وما يتصل بها: مثل عهد (أردشير بابكان) إلى ابنه