ومن - ليت شعري - يسلك الجادة ليخلص من الوعر ويدنوا من الغاية، إذا رأى من هو أقوى منه وأجلد قد سلكها فانتهت حياته ولم ينته منها، واتته منيته وهو في بعضها. . . يقلب حصباءه، وينبش تربها، وينظر في جوانبها؟. . .
وإذا كان ملك النحاة بعد أن أنفق عمره كله في تعلم الحو وتعليمه، يستشكل عشر مسائل، وتستعصى عليه فيسميها (المسائل العشر، المتعبات إلى يوم الحشر) ويأمر أن توضع معه في قبره، ليحلها. . . عند ربه! فما بالك بأمثالنا من السوقة؟. .
وكيف نفهم هذا النحو وندركه ادراكاً بله الاستفادة منه؟ وأن نجتنب به الخأ في النطق وفي الفهم؟. . .
ومن يقبل على النحو، وهو يرى هذه الشروح وهذه الحواشي التس تحوي كل مختلف من القول. وكل بعيد من التعليل، وفيه كل تعقيد، حتىما ينجو العالم من مشاكلها مهما درس وبحث ونقب، ولايشتقر في المسألة على قول حتى يبدو له غيره أو يجد ما يرده ويعارضه، القائم على ظهر الحوت، لايميل الى جانب الا ميل به إلى جانب، ولا يدري متى يغوص الحوت، فيدعه غريقاً في اليم. . .
وسبب هذا التعقيد - فيما أحسب - أن النحاة اتخذوا النحو وسيلة إلى الغنى، وطريقاً إلى المال، وابتغوه تجارة وعرضاً من أعراض الدنيا، فعقدوه هذا التعقيد وهو لو أمره، حتى يعجز الناس عن فهمه إلا بهم، فيأتوهم، فيسألوهم، فيعطوهم، فيغتنوا. . .
روي الجاحظ في كتاب الحيوان، أنه قال الأخفش: مالك تكتب الكتاب فتبدؤه عذباً سائغاً، ثم تجعله صعباً غامضاً، ثم تعود به كما بدأت؟
قال: ذلك لأن الناس إذا فهموا الواضح فسرهم، أتوني ففسرت لهم الغامض فاخذت منهم!
وروي السيوطي: أن سيف الدولة سأل جماعة من العلماء بحضرة اين خالويه ذات ليلة: هل تعرفون اسماً ممدوداً وجمعه مقصور؟