وكان نفطويه لا يُقريء كتاب سيبويه إلا إذا أخذ الرسم، من أل ذلك اتخذ النحاة هذا التعقيد سنة جروا عليها، وغاية تواطأوا على بلوغها، لتتم الحاجة إليهم وتثبت لهم مكانتهم، وتستمر الحاجة إليهم، حتى ان أبا علي الفارسي، لما سأله عضد الدولة بن بويه أن يصنف له تاباً في النحو - وصنف الايضاح، واوضح فيه النحو وقربة حتى أتى عليه عضد الدولة ليلة، واستقصره وقال له: ما زدت على ما أعرف شيئاً، أخس أبو علي بالخطأ، وشعر [انه خرج على هذه الخطة التي اختطوها لانفسهم: خطة التعقيد. . . فعمد إلى تدارك الخطأ، فمضى فصنف التكملة وحملها إليه، فاما وقف عليها عضد الدولة قال: غضب الشيخ فجاء بما لا نفهمه نحن ولا هو. . .
وزاد النحو تعقيداً وإبهماً وبعداً عن الغاية الي وضع من أجلها، ما صنعه الرماني من مزج النحو بالمنطق وحشوه به، حتى ما يقدر من بعده على تجريده منه، وحتى قال أبو علي الفارسي وهو مهاصر له:
(إن كان النحو ما يقوله الرماني فليس معنا منه شيء، وإن كان ما نقوله نحن، فليس معه منه شيء. . .).
فخرج النحو بذلك عن الجادة، ولم يعد واسطة لفهم كلام العرب واتباع سبيلهم في القول، بل غدا عاماً مستقلاً معقداً مضطرباً لا تكاد تثبت فيه مسألة. ورضي النحاة عن هذا التعقيد ووجدوا فيه تجارة وكسباً، حتى أن السيرافي لما ألف كتابه الاقناع (الذي اتمه ولده يوسف) وعرض فيه النحو على أوضح شكل وأجمل ترتيب، فاصبح مفهوماً سهلاً، لايحتاج الى مفسر ولا يقصر عن إداراه أحد، حتلا قالوا فيه: وضع أبو سعيد النحو على المزابل بكتابه الاقناع. . . لما ألفه قاومه النحاة، وما زالوا به حتى قضوا عليه، فلم يعرف له ذكر، ولم نعرف انه بقي منه بقية!
وزاد النحو فساداً على هذا الفاد هذا الخلاف بين المذهبين (او المدرستين على التعبير الجديد): المذهب الكوفي، والمذهب البصر، وما جره هذا الخلاف من الهجوم على الحق، والتدليل على الباطل، والبناء على الشاذ، قصد الغلبة وابتغاء الظفر، كما وقع في المناظر المشهورة بين الكسائ وسيبويه، حين ورد هذا بغداد علي يحيى البرمكي، فجمع بينه وبين الكسائي للمناظرة فقال له السائي: