وزيد لنا ولنا حاتم=غياث الورى في السنين الشداد
وفعله رجل من بني عبد الله كلاب يقال له همام، وبات بأرض خلاء ليس معه أحد، فأوقد ناراً، وقد كان صاد صيداً، فلما رأى الذئب النار أتاها، وذلك من شأنه إذا رأى النار، فلما قرب الذئب منه وهو غرثان أقبل يتقرش ما يرميه همّام من العظام ولا يراه، فلما تبينه رمى إليه بقية صيده ولم يرعه، وأنشأ يقول:
يارب ذئب باسل مقدام ... منجرد في الليل والأظلام
عاود أكل الشاء والأنعام ... قد ضافني في الليل ذي التمام
في ليلة دانية الأرزام ... يقرش ما ألقى من العظام
فبات في أمنى وفي ذمامي ... مستدفئاً من لهب الضرام
آثرته بالقسم من طعامي ... ولا يخف نبلى ولا سهامى
ولو أني غيري من الأقدام ... من اللئام لا من الكرام
إذن للأقي عاجل الحمام
وأخبرني من وثقت بصدقه عن رجل من جله أهل همذان أن الثلج كثر في ضياعه حتى لجأت إليها عانات كثيرة، فأخذنا وكلاؤه ولم يحدثوا فيها حدثاً وكتبوا إليه بخبرها، فكتب إليهم أن أقيموا لها قضيماً وعلفاً إلى أن ينحسر الثلج، فإذا أنحسر الثلج فخلوا سبيلها واحموها حتى تصل إلى أبعد موضوع من العمارة ففعلوا ذلك.
وتلجأ أيضاً إلى الأنس والعمارة إذا أجدبت السنة وعدمت الكلآ، وذكر هذا المعنى إبراهيم الموصلى في قوله يرثى أخاه اسمعيل بن جامع المغنى، فقال:
وإني واسمعيل يوم فراقه ... لكالغمد يوم الروع فارقه النصل
فان أغش قوماً بعده أوازورهم ... فكالوحوش يدنيها من الأنس المحل
يذكرنيك الخير والشر والتقى ... وقول الخنا والحلم والعلم والجهل
فألقاك عن مذمومها متزهاً ... وألقاك في محمودها ولك الفضل
وقد زعم قوم أن هذا الشعر لمسلم بن الوليد الأنصاري
ومثله لآخر:
تخرم الدهر أشكالي فأفردنى ... منهم وكنت أراهم خير جلاس