الفرنج واستقرت في غالا قد تطورت في أوائل القرن الثامن إلى مجتمع مستقر متماسك نوعا. ولم تكن غاليس قد استحالت عندئذ إلى فرنسا ولكن جذور فرنسا المستقبلة كانت قد وضعت وهيأت الأسباب والعوامل لنشوء الامة الفرنسية. بيد أن هذا المجتمع رغم تمتعه بنوع من الاستقرار والتماسك كان وقت أن نفذ العرب الى فرنسا فريسة الانحلال والتفكك، وكان الخلاف يمزقه كما بينا وكانت اكوتين وباقي فرنسا الجنوبية في يد جماعة من الأمراء والزعماء المحليين الذين انتهزوا ضعف السلطة المركزية فاستقلوا بما في أيديهم من الأقاليم والمدن. ثم كانت القبائل الجرمانية الوثنية فيما وراء الرين من جهة أخرى تحاول اقتحام النهر من آن لآخر وتهدد بالقضاء على مملكة الفرنج. فكان الفرنج يشغلون برد هذه المحاولات ويقتحمون النهر بين أونة وأخرى لدرء هذا الخطر ولإرغام القبائل الوثنية على اعتناق النصرانية. فكانت المسألة الدينية أيضا عاملا قويا في هذا النضال الذي يضطرم بين قبائل وعشائر تجمعها صلة الجنس والنسب. ولم ينقذ مملكة الفرنج من ذلك الخطر سوى خلاف القبائل الوثنية وتنافسها وتفرق كلمتها.
هكذا كانت مملكة الفرنج والمجتمع الفرنجي في أوائل القرن الثامن أعني حينما نفذ تيار الفتح الإسلامي من أسبانيا الى جنوب فرنسا. وكان قد قضى منذ وفاة النبي العربي الى عهد هذا اللقاء الحاسم بين الإسلام والنصرانية (سنة ٧٣٢م) مائة عام فقط، ولكن العرب كانوا خلال القرن قد افتتحوا جميع الأمم الواقعة بين السند شرقا والمحيط غربا واكتسحوا العالم القديم في وابل مدهش من الظفر الباهر، واستولوا على جميع أقطار الدولة الرومانية الجنوبية من الشام الى أقاصي المغرب وأسبانيا، وعبروا البرنيه الى أواسط فرنسا. هذا بينما أنفقت القبائل الجرمانية الشمالية أكثر من ثلاثة قرون في افتتاح أقطار الدولة الشمالية ومحاولة الاستقرار فيها.