(ولك أن تضم إلى ما ذكرناه قوله تعالى عنه عليه السلام (وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين). ففي قوله (ومن المقربين) إشارة إلى رفعه إلى محل الملائكة المقربين)
والشيخ يريد السماء طبعاً، وهو ليٌّ للكتاب غريب، فقد وردت كلمة (المقربين) في غير موضع من القرآن الكريم: (والسابقون السابقون أولئك المقربون). (فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم). (عيناً يشرب بها المقربون) وإذن فليس عيسى وحده هو الذي يعيش بجسمه في السماء، بل معه أفواج من عباد الله يعيشون فيها ويزداد عددهم يوماً بعد يوم. وهكذا فليكن المنطق!
ثم يقول:(بل في قوله تعالى (وجيهاً في الدنيا والآخرة) إشارة إلى ذلك، لأن الوجيه بمعنى ذي الجاه، ولا أدل على كونه ذا جاه في الدنيا من رفعه إلى السماء)
وهذا كلام لا يقال، فإن وجاهة عيسى في الدنيا هي الرسالة المؤيدة بالمعجزات البينات (ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولاً إلى بني إسرائيل: أنى قد جئتكم بآية من ربكم) فكيف تذكر بجانب هذه الوجاهة قصة الرفع إلى السماء التي يرغمون هذه الآية على إفادتها أو الإشارة إليها؟ وكيف يكون وجيهاً في الدنيا من غادر الأرض وترك أهلها الذين يحسون وجاهته؟ وهكذا ينتزع القوم من كل عبارة إشارة أو تلميحاً ليؤيدوا ما زعموا أنه عقيدة يكفر منكرها؟
النوع الثالث: آيتان قد اختلفت آراء المفسرين في بيان المراد منهما، وجاء في بعض ما قيل أنهما تدلان على نزول عيسى وهما:
١ - قوله تعالى في سورة النساء:(وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته)
٢ - وقوله تعالى في سورة الزخرف:(وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها)
ولا نحب أن يطيل اليوم على القراء بالبحث في هاتين الآيتين وبيان درجتهما في الدلالة على ما زعموا، فليكن ذلك في حديثنا المقبل إن شاء الله.