٣ - وأن كتب التوحيد لم تقتصر على ذكر العقائد التي كلفنا الشارع بها، وإنما ذكرت بجانبها بعض النظريات العلمية التي تعارضت فيها ظواهر النصوص فكانت محل اجتهاد بين العلماء ونتيجة هذه كله: أن القول بأن كذا عقيدة يجب الإيمان بها لأن ظاهر الآية أو المروي من الحديث يدل عليه، أو لأنه رأي أهل السنة والجماعة مثلاً، أو لأنه مذكور في كتب التوحيد. كل ذلك قول من لا يفهم معنى (العقيدة) ولا يعرف أساسها الذي تبنى عليه.
لاشك أن هذه المبادئ التي ذكرنا تنير سبيل البحث لمن يريد معرفة الحق فيما هو من العقائد وما ليس منها، وهي مبادئ مسلمة عند العلماء يعرف كل مطلع على كتبهم ومناقشاتهم أنه لا نزاع فيها. وعلى ضوء هذه المبادئ نستقبل قول الذين زعموا (أن رفع عيسى ونزوله آخر الزمان ثابتان بالكتاب والسنة والإجماع) ولنا في ذلك نظرات ثلاث: نظرة فيما ذكروا من آيات، ونظرة فيما ساقوا من أحاديث، والنظرة الثالثة فيما ادعوا في هذا المقام من إجماع
فأما الآيات التي تذكر في هذا الشأن فنحن نرجعها إلى ثلاثة أنواع:
النوع الأول: آيات تذكر وفاة عيسى ورفعه، وتدل بظاهرها على أن الوفاة قد وقعت، وهذه الآيات هي:
١ - قوله تعالى في سورة آل عمران (إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليّ)
٢ - قوله تعالى في سورة النساء:(وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم) إلى قوله: (وما قتلوه يقيناً بل رفعه الله إليه)
٣ - قوله تعالى في سورة المائدة (فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم)
وقد تناولنا هذه الآيات في الفتوى ودرسناها دراسة علمية واضحة، وعرضنا إلى آراء المفسرين فيها، وبينا أنه ليس فيها دليل قاطع على أن عيسى رفع بجسمه إلى السماء، بل هي - على الرغم مما يراه بعض المفسرين - ظاهرة بمجموعها في أن عيسى قد توفى لأجله، وأن الله رفع مكانته حين عصمه منهم، وصانه وطهره من مكرهم. ولسنا في حاجة إلى أن نعيد شيئاً مما ذكرناه
النوع الثاني: آيات ما كان ليخطر بالبال أن لها صلة بموضوع البحث، فلذا لم نفكر فيها،