للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في كل ميدان، وفي كل حقل حورب هذا الإسلام. حورب في المجتمع، وحورب في الدولة، وحورب في المدرسة. وحورب في الضمير. . حورب حربا لئيمة متصلة واعية تملك كل وسائل التأثير والتدمير. . حورب بقوة السلاح، حين حاولت أوربا الصليبية أن تحطم دول الإسلام في ميادين القتال. وحورب بقوة العلم، في عالم التأليف، وفي دنيا التعليم. وحورب بقوة الفساد الذي كان عملاء الاستعمار ينشرونه في كل مكان تطؤه أقدامهم، ويحطمون به العقيدة وحدها، ولكن الضمير الذي تكمن فيه العقيدة.

لم تبق وسيلة، ولم تبق حيلة، لم يستخدمها الاستعمار الأوربى، ولم تستخدمها الصليبية الغربية في محاربة الإسلام. . . ولكن هذا الإسلام بقى بعد ذلك كله، ورغم ذلك كله، قوة كامنة في أرض الإسلام، وفي أهل الإسلام.

لقد خيل إلى الكثيرين في وقت ما أن هذه القوة قد ماتت إلى الأبد، وأن الدعوات التي ترتفع بين الحين والحين إن هي إلا سكرات الموت، أو هذيان الحمى في اللحظات الأخيرة. . ولكن هذا الإسلام قد أخذ يبدد هذه الظنون. إنه قوة حية. إنها انتفاضة الحياة لا سكرة الموت. إنه هتاف الحياة لا هذيان الحمى. إنها الحقيقة الواقعة الملموسة التي تجبر المستعمرين أنفسهم أن يتحدثوا عن (العالم الإسلامي)!

ذكرت كل هذه المعاني وأنا أحضر حفلا لجمعية العلماء في الجزائر، وأنا ألقى الزعيم الجزائري (مصالي الحاج). . . لقد كانت الجزائر هي آخر أرض إسلامية بتخيل متخيل أن تثب فيها روح الإسلام، بعد كل ما قاسته من كبت وخنق، ومن عذاب ونكال، تحت ضغط الحكم الفرنسي أشنع أنواع الاستعمار الصليبي المتعصب. وبعد كل هذه الجهود المتصلة خلال أجيال كثيرة. جهود المستعمرين، وجهود المبشرين، التي لم تكف عنها فرنسا لحظة واحدة في هذه الحقبة الطويلة.

الجزائر التي جرم فيها تدريس اللغة العربية والدين بالمدارس. والتي صبت الويلات على علمائها ورجال الدين فيها، والتي انتهكت حرماتها وأعراضها لإفساد الدم العربي، وتضييع النخوة العربية، وخلط الأنساب والدماء بالقوة كي تضيع معالم العروبة والإسلام، لا في الأفكار والضمائر فحسب، بل في الدماء والأجسام.

ولكن الإسلام كان أقوى من ذلك كله. كان قوة كامنة عميقة لا تجتث جذورها قوة السلاح،

<<  <  ج:
ص:  >  >>