حقيقة موقفه منه، ولكنهما على الرغم من ذلك يتغابيان ويضللان!
هذا هو موقف الدولتين على مسرح السياسة في تلك الأيام، ولكم شهد المتفرجون يومئذ من الأساليب الميكيافيلية وأوضاعها، ولكم شهدوا من أساليب غيرها لو قرنت بها الأولى لكانت منها كالحسنات، ثم يسدل الستار والمتفرجون من أهل مصر لا يملكون أن ينطقوا بكلمة استهجان لما رأوا، بل لقد فرض عليهم أن ينظموا عقود المدح وإلا عد سكوتهم جحوداً وعناداً، وأي شيء أوجع وأنكى من أن يرغم شعب على تقبيل الأيدي التي استلبته حقوقه والأغلال التي دارت حول عنقه.
ويظهر أول شاهد عل السياسة الإنجليزية في تقرير كتبه كلفن بعد الثورة بعشرة أيام جاء فيه:(أرى أن ليست الحال الحاضرة بطبيعتها إلا هدنة، وأن ما وصلنا إليه من التسوية ليعطينا مهلة نستجم فيها ونلم فيها بالقوى التي تعمل حولنا ونسعى في الاستفادة منها أو القضاء عليها).
وليس في هذه العبارة أول شاهد على السياسة الإنجليزية فحسب، بل إن فيها ملخص تلك السياسة؛ فستتربص إنجلترا للحركة حتى يحين الوقت وحتى تستطيع أن تعمل بمفردها دون فرنسا. . .
وكان شريف يقضاً يفطن إلى دقة الموقف ويدرك مرامي السياسة الإنجليزية وأساليبها؛ ولذلك كان لا يفتأ يحض أنصار الحركة الوطنية على اتباع الحكمة ومجانبة الشطط حتى لا يكون من أعمالهم أو أقوالهم ما تسيء أوربا فهمه فتسوء بذلك العاقبة.
وأخذ العقلاء من رجال الحركة الوطنية يعاونون شريفاً على تثبيت قواعد سياسته، وكان من أثر ذلك أن تنازل عرابي عن رأيه في الموقفين السالف ذكرهما، وكان من أثره أيضاً أن خففت الصحف من لهجتها وكفكفت من غلوائها؛ ولقد كان للأمام محمد عبده فضل كبير في توجيه العناصر الوطنية نحو هذا المسلك الحكيم. . .
ولكن الأفق ما لبث أن تجمعت في حواشيه الغيوم وأحست السفينة بوادر عاصفة قوية ما عتمت أن هبت شديدة عاتية نفد لها صبر الربان أو كاد، وتلك هي أزمة الميزانية الشهيرة.
فرغ شريف من إعداد اللائحة الجديدة للمجلس النيابي ثم عرضها على النواب؛ وشد ما كانت دهشتهم أن رأوا شريف يقرر فيها ألا يكون من اختصاص المجلس عند النظر في