عليه في استقاء المعلومات، أما شركتا روتر وهافاس، فقد كان يعطى لكل منهما ألف جنيه في العام من خزانة مصر! وقل أن نصادف في تاريخ السياسة عملاً أشد فجوراً من أن تحارب قضية شعب بنقود من خزانته!
وكانت الحركة الوطنية تلاقى أبلغ الكيد خارج مصر من جانب الصحافة أول الأمر، إلى أن منيت بعد ذلك بالتدخل الرسمي الفاجر، الذي لم يدع في تاريخ العالم عرفاً إلا خرج عليه، ولا قاعدة ألا سخر منها وحطمها تحطيماً.
أخذ محررو الصحف في إنجلترا وفرنسا ينددون بثورة مصر ويسخرون من نهضة مصر، ولو أنهم كانوا يحترمون أنفسهم حقاً، أو يحترمون المبادئ التي نادت بها بلادهما لمنعهم ذلك عما فعلوه. . .
وماذا جنت مصر يومئذ حتى تستقبل أوربا حركتها بأسوأ ما تستقبل به الحركات؟ ألم تجر في أوربا الدماء في سبيل تلك المبادئ التي كان ينادى بها المصريون؟ وكيف تكون نغماتها عذبة مشتهاة إذا تغنى بها أهل تلك الشعوب، ثم تكون ممجوجة مملولة إذا هتف بها الشرقيون؟
هذا شعب ينفض عنه غبار القرون، ويخطو نحو الحرية كما خطت أوربا، ثم هو يذب الأجانب عن قوميته، وقد ثقلوا عليها بامتيازاتهم الأثيمة الظالمة ثقل الحشرات والهوام، فماذا كانت ترى أوربا في هذا من معاني الفوضى والهمجية ولم يصحب حركة المصريين عدوان على أولئك الأجانب ما كانوا يلاقونه منهم من عنت وإفساد؟ ألا إنها السياسة تقلب عرف الناس نكراً، وتجعل المبادئ التي ينادى بها دعاة الإنسانية في نظر الساسة أحلاماً لا تجد لها مستقراً إلا في رؤوس الحمقى من الفلاسفة ورؤوس الأغرار من مصدقيهم.
أما السياسة فقد كانوا لا يتوانون عن الكيد، ولا يفتر لهم سعى في تلمس السبيل التي يستولون بها على الفريسة، وكان موقف إنجلترا وفرنسا من مصر ينطوي على كثير من المعاني التي تبعث على الألم والضحك معاً، وكم من المآسي ما تضحك منه النفوس ولكنه ضحك المرارة التي لن يبلغ الدمع مبلغها.
وكان موقف الدولتين كموقف رجلين يطمعان في استلاب شيء وكل منهما يريده لنفسه دون الآخر ولكنه يموه على صاحبه، وكل من الرجلين يفهم حق الفهم أن الآخر يدرك