ارتقائية، وإنما أعني بها الرجعية الاجتماعية، وأكبر ظواهرها عزوفنا عن التفقه بفقه ثقافتنا التقليدية
ولا مرية في أننا نحتاج إلى تعريف هذه النظرية الجديدة التي نسوقها اليوم لتكون أساساً في علاج حالات اجتماعية بعينها. بل نقول إن بعدنا عن درس هذه النظرية كان سببا من الأسباب الرئيسية التي هيأت المقتضيات الأولية للشعور بأننا قد أقدمنا على أزمات اجتماعية قد تكون في المستقبل بالغة منتهى الخطورة
أما ما نعني (بالثقافة التقليدية) فمجموعة الحالات والملابسات التي ينشأ شعب من الشعوب مكتنفا بها من حيث طبيعة الأرض والإقليم، وما يتطلب ذلك من العكوف على فن خاص من فنون الحياة. وبمعنى أوسع تدل الثقافة التقليدية على العناصر التي ورثها شعب من الشعوب على مدى الأزمان من طريق التأثر الطبيعي بالبيئة والمحيط، كما تدل على مجمل ما ثبت في عقليته باللقاح السُّلالي من عادات وأساطير وعلوم وآداب، نشأت بنشأته في مرباه الأصيل. وعى الجملة نقول إن الثقافة التقليدية لشعب من الشعوب إنما هي في الواقع جماع ما يرث من صفات حيوية ومعتقدات وفنون عن أسلافه الأولين
وما كان لشعب من الشعوب أن يحاول الإفلات من أقطار ثقافته التقليدية إلاّ وباء بالفشل المحقق فيما يحاول. ذلك بأن الثقافة التقليدية هي الأصل الذي يرتكز عليه الطبع الماثل في أخلاق الأمم وطرق سلوكها في الحياة. وما قولك في ثقافة يرتشفها الطفل مع ما يرتشف من لبن أمه وهو رضيع ويشب مكتنفاً بها إذا يفع، ويفتن بفنونها إذا تَفَتى، ويغرم بها إذا اكتهل، ويموت وهي مرتسمة في تصوراته جميعاً إذا هَرِم. لا مرية في أنها تصبح جزءا من طبعه وركناً من أركان نفسه، بل إن شئت فقل إنها الركن الأصيل في حياته النفسية والعقلية، وماعداها توابع لها ولواحق بها. وإنما تتأثر التوابع بالأصل، وتتكيف اللواحق بالأرومة، فما من ثقافة حديثة تضاف إلى ثقافة تقليدية إلاّ وتكيف الدخيل تكيفاً يتابع فيه ما يحتاج إليه الأصيل من ملابسات. مثل ذلك أن الطبع المصري، وإن شئت فقل (المصرية)، لن تنسخ منها الأوربية شيئاً إن هي احتكت بها، وإنما تتكيف (الأوربية) بعوامل (المصرية) إن هما تنافستا في ميدان واحد. وليس في ذلك أي خطر على كياننا التقليدي. ولكن الخطر كل الخطر في أن نضعف من مصريتنا بالبعد عن ثقافتنا التقليدية