فتكمن في تضاعيف النفس ولا تظهر إلاّ ضعيفة منهوكة، ونقوي من (الأوربية) فنأخذها غير مكيفة بمقتضيات ثقافتنا التقليدية. ناهيك بأننا لسنا أوربيين بالدم والتقاليد، فلا نستطيع أن نفهم من روح الأوربية على ما يفهمها الأوربي إلاّ ظواهرها الكاذبة، فنصبح وقد قمعنا مصريتنا من ناحية، ولحقنا عقولنا (بالأوربية) من جهة أخرى. وما كل هذا إلاّ طلاء خادع ومن ورائه تختفي الحقيقة التي يجب علينا جميعاً أن نفطن إليها، وأن ندرسها أوفر الدرس، وأن نكب على تفهم روحها أقوم فهم، حتى نستطيع أن نهيئ للأجيال الآتية سبيل التكيف بروح العصر تكيفاً مطابقاً لثقافتنا التقليدية، فنخطو بثبات نحو حالات اجتماعية أثبت من حالاتنا الحاضرة. وفيما تقدم من شرح مجمل ما نعني (بالرجعية الاجتماعية): فهي قمع لمقتضيات التكيف بثقافتنا التقليدية من طريق الفصل بين هذه الثقافة الموروثة وفنون الحياة في العصر الحديث
تتصل ثقافة الشعوب التقليدية اتصالاً وثيقاً بحالاتها المعاشية أولاً، فإذا استكملت هذه الثقافة الأسس المعاشية التي تعين الشعوب على البقاء، أثرت هذه الثقافة تأثيراً آخر في مزاج الشعب، نهايته أن تتكيف فيه أشياء ثلاثة هي في الواقع ظواهر هذه الثقافة. الدين واللغة والفن، وفي هذه الأشياء جماع ما يتجلى لناظريك في الأمم من الخصائص الأخرى كالخلق والحالات النفسية والشعورية إلى غير ذلك
ولابد لنا من أن نضرب بعض الأمثال لتفصح بعض الشيء عن حقيقة هذه النظرية. فالبداوة مثلاً ثقافة تقليدية لكل القبائل التي تعيش متبدية، وجميع ما يتصل بالبداوة أس من الأسس التي تقوم عليها ناحية من نواحي الحياة في أهل البدو، والبداوة لأهل البادية بداية الحياة، لأن فيها تتجلى روح القبيلة التي بها تحتفظ الجمعية ببقائها وتصون كيانها، ومن مجموع التصورات والإدراكات التي تتمثل لأهل البادية تنشأ الفكرة الدينية ثم تنشأ اللغة ثم ينشا الفن، وبعد ذلك تتحور الأخلاق فتأخذ طابعاً خاصاً، ومن ثم يتكون قانون العرف البدائي، وهلم جرَّا. فهل من المستطاع مثلاً أن تنفك جمعية طبيعتها البداوة عن كل ما توارثته على مدى الأجيال، وتنسلخ عن كل ما انتقل إليها عن أسلافها الأقدمين، فتلبس من الأخلاق ثوباً جديداً وتتبدل من التصورات والأفكار والأخيلة والعقائد واللغة والفن غيرها مما لا علاقة له بثقافتها التقليدية، ثم تستطيع بعد ذلك أن تحتفظ بكيانها الأصيل من غير