ما تظن أنه يغني عما استرده الدهر من حياة شبابها، فبدت تحت طلاء الأصباغ في هيئة مضحكة، وكانت تتجنب الناس وتقنع بالجلوس منفردة حتى تعود إلى مجالستها ربة الدار أنجي هانم كلما تاقت نفسها إلى الراحة. أما اسمها فدولت هانم وقد راضت نفسها على العزوبة بعد تجربة أربع زيجات غير موفقة، وكادت تيأس من الرجال والحب وقنعت من متاع الدنيا بمضغ الأعراض والخوض فيما تعلم وما لا تعلم من أسرار الناس فصارت معجماً لتواريخ السوء. وكانت في تلك اللحظة التي اختيرت فيها سراً ملكة للقبح. . . تجالس أنجي هانم، وكانت تلوذ بالصمت قسراً بعد أن لم تبق على أحد من الحاضرات والحاضرين، حتى أتيحت لها فرصة جديدة للكلام بحضور الوجيه الأستاذ محمد جلال المحامي وزوجه الحسناء صفية هانم جلال. وكانا يلفتان الأبصار حيثما سارا لثراء الزوج المالك لأربعة آلاف فدان في الصعيد، وجمال الزوجة ورشاقتها، وقد استقبلتهما أنجي هانم بمودة ظاهرة وباطنة، ولما عادت إلى جوار دولت هانم مالت هذه على أذنها وقالت بصوتها الخافت المبحوح:
- يا لهما من زوجين سعيدين جميلين!
فقالت السيدة بحماس:
- الأستاذ جلال شاب يندر أن يوجد نظيره بين الشباب الناجح الثري. . . ألا تعلمين أنه مرشح لكرسي النيابة؟. . . وأما صفية فهي آية للجمال والصفاء. . .
فابتسمت المرأة ابتسامة باهتة وقالت:
- نعم، نعم. . . لا شيء يعيبه إلا أنه يقال إنه قد يتبارز من أجل راقصة، أما إذا استثيرت غيرته الزوجية فقد يغضي. . .
وضاقت أنجي هانم ذرعاً بحديث صاحبتها، فلم تسألها إيضاحاً وتشاغلت عنها بمشاهدة بعض الراقصين، ثم استأذنت لاستقبال بعض صواحبها. . .
وسلم الأستاذ محمد جلال وزوجه على عدد عديد من الأصدقاء والصديقات، ثم اختار أن يجلسا إلى زوجين جميلين مثلهما هما الوجيه طه بك العارف وزوجه الحسناء هدى هانم العارف، وكان الأستاذ جلال يبدي إعجاباً خاصاً نحو السيدة هدى. فلما عزفت الموسيقى دعاها إلى الرقص معه وقبلت بسرور ورقصت زوجه مع طه بك. . .