وطرب الجميع طويلاً وشربوا كثيراً، فدارت رؤوس وثرثرت ألسنة كتومة، وفاضت الأحاديث، وامتلأ الجو برنين الضحكات ووميض الابتسامات وإيماءات الغزل، والتقت أعين وتماست أنامل وارتعشت شفاه. . . حتى جاءت تلك الساعة المختارة من الليل فتوسطت المدعوين السيدة أنجي هانم وقالت بصوتها الرخيم:
- اسمحوا لي سيداتي وسادتي أن أقدم إليكم مفاجأة العيد السعيد
وتطلعت الوجوه إليها من كل صوب وتجمع حولها المبعثرون ما بين الشرفة والمقصف ينتظرون فرحين. وبغتة أطفئت الأنوار بغير نذير وساد المكان ظلام دامس دام خمس دقائق ما كان يسمع خلالها سوى همس خافت أو ضحكات مكتومة، ثم أضيئت الأنوار مرة أخرى فرأى القوم منظراً بديعاً. . . مهدا على قوائم أربع طويلة، مسقفاً بستار من حرير على هيئة هرمية، وفيه جلست كوكو متكئة على يديها الصغيرتين في قميص أبيض كأنها وردة بيضاء يانعة، وكانت ترمق الناظرين بعينين دهشتين صغيرتين ينعكس النور على زرقتهما الصافية! فصفق الجميع تصفيقاً رقيقاً وهتفوا باسمها، وقبل الآنسات يدها الصغيرة، ثم قدمت الهدايا النفيسة حول مهدها الجميل، وشمل القوم سرور عظيم فاستأنفوا لهوهم بإرادة أشد نزوعاً للصبا والمسرة. على أن فترة الظلام القصيرة لم تمر بسلام كما توهم الجميع. فقبيلها بدقائق كان الأستاذ محمد جلال يجالس هدى هانم في المقصف وقد دل عبثهما المرح على أنهما ثملان، فلما أطفئت الأنوار لم يتردد الشاب فدنا برأسه منها حتى كادت تمس شفتاه أذنها وهمس قائلاً:(هدى) وارتجفت المرأة كالمذعورة ولم ترد عليه فقال لها همساً وهي تحس بلمس شفتيه لأذنها: (هذه فرصة طيبة. قومي واتبعيني)
وكان بودها لو تتباله كما يقضي الدلال ولكنها خشيت أن يضاء النور بسرعة، فقالت همساً:
- إلى أين؟
- إلى حجرة التدخين في الطابق العلوي!
- قد يفتقدوننا
- وماذا يهم!. . . سيظنون أننا في الشرفة أو في الحديقة أو في المقصف أو هنا أو هناك، وسنعود من طريقين متباعدين. . .