كثيرة التعقيد كما يظهر من المثال المادي البسيط الذي ذكرناه؛ فلا يجوز لنا أن نبت في مثل هذه القضايا قبل أن ندرسها من جميع وجوهها ونقوم بأبحاث دقيقة وشاملة في شأنها. . .
فلنفكر كيف يمكن أن يؤثر (تعليم اللاتينية) على القابليات العقلية. لا شك في أن هذا التأثير يجب أن ينجم عن ممارسة تمارين الترجمة التي تجري خلال هذا التعليم. فإن الترجمة تحمل الطالب بطبيعتها على القيام بأعمال ذهنية هامة: إنها تمرنه على نقل الفكرة الواحدة، أو المعنى الواحد من لغة إلى لغة أخرى؛ وذلك يضطره إلى تحليل المعاني والعبارات إلى عناصرها المختلفة، ويحمله على إجراء مقارنات دقيقة بين عبارات اللغتين ويعوده ملاحظة أصغر الفروق وأدق الألوان في معاني الألفاظ والعبارات التي تعرض عليه أو تخطر بباله. . . إن الفوائد التثقيفية التي ينتظر الحصول عليها من تعليم اللغة اللاتينية أو اليونانية، لا تخرج عن نطاق فوائد هذه التمارين من وجهة التأثير على القابليات العقلية. ولا مجال للشك في أن جميع هذه الفوائد لم تكن من خصائص تعليم اللاتينية أو اليونانية؛ بل هي مما يمكن الحصول عليها خلال تعليم أية لغة من اللغات الحية الراقية أيضاً. . .
إن هذه القضية كانت من أهم المسائل التي احتدم النزاع عليها ودارت المباحثات والمناقشات حولها. . . وقد قام عدد غير قليل من علماء النفس ورجال التربية، يدرس هذه المسألة علمياً وتجريبياً. فقد قاموا باختبارات واسعة النطاق، وبرهنوا على أن اللاتينية لا تمتاز على سائر اللغات - من حيث القابلية التثقيفية - بوجه من الوجوه
فلا يجوز لنا مع ذلك أن نتوسل بتعليم لغة ميتة إلى (تثقيف العقل)؛ بل الأجدر بنا أن نصل إلى التثقيف المذكور عن طريق تعليم لغة حية ليستطيع الطلاب أن يستفيدوا منها في الوقت نفسه طول حياتهم الفكرية والاجتماعية
وعندما فكرت أنا في هذا الموضوع - على ضوء الآراء والأبحاث التي أشرت إليها - تذكرت قصة صغيرة كنت قرأتها في كتاب مدرسي، بين موضوعات الإنشاء:
كان رجل يعتمد في تدبير معاشه على نتاج مزرعته. فلاحظ يوماً أن البركة أخذت تذهب عن مزرعته، وأن النتاج أخذ يقل عن حاجته، فشكا حاله إلى أحد أصدقائه، فوعده صديقه هذا بسؤال أحد السحرة، لتدبير مسألته. فأتى إليه - في اليوم التالي - بعلبة سحرية، قال