إنها كفيلة بإعادة البركة إلى مزرعته على أن يستصحبها معه كل ليلة إلى بعض أنحاء المزرعة - من الإسطبل إلى مخزن الحبوب - فأخذ الرجل يعمل بوصايا صديقه ويطوف بالعلبة السحرية في الأنحاء المذكورة. ولم تمض على ذلك مدة طويلة، إلا وقد رأى أن العلبة عملت عملها السحري، وأعادت البركة إلى مزرعته. غير أن هذه العلبة، كانت في حقيقة الأمر علبة اعتيادية فارغة؛ وأما سحرها، فقد نتج من اضطرار الرجل إلى الطواف بها ليلاً في مختلف أنحاء مزرعته؛ لأن هذا الطواف، ساعده على ملاحظة أحوال مزرعته، ومراقبة أعمال مأجوريه، ووضع حد لجميع الأسباب التي كانت تؤدي إلى تناقص موارده.
إنني أشبه عمل اللاتينية في حقل التفكير، بعمل (العلبة السحرية) التي ذكرتها. فإن السحر ليس فيها، بل في الأعمال الذهنية التي تجري بواسطتها. ولا حاجة للبيان أن هذه الأعمال مما يمكن أن تجري دون وساطتها، بل بواسطة أية لغة من اللغات الحية الراقية. . .
إن المناقشات التي ثارت حول مسألة تعليم اللغات القديمة لم تحمل وزارات المعارف في فرنسا على إحداث بعض الإصلاحات لمجابهة الحاجات إلا بعد انقضاء النصف الأول من القرن الأخير
وأما أول التدابير العملية التي اتخذت في هذا الباب فقد كان إحداث نوع جديد من الدراسة الثانوية في عهد وزارة (ديكتور دوروى). عرف هذا النوع الجديد باسم (التعليم الخاص) واستغنى عن تعليم اللغات القديمة، وجعل غايته إعداد الطلاب للمدارس العالية الاختصاصية التي تفتح أمامهم سبل الدخول إلى الحياة العملية
غير أن إحداث هذا النوع من التعليم أثار هجمات أنصار اللاتينية، كما أنه لم يحقق رغائب المجددين. فقد احتج عليه أنصار اللاتينية واليونانية قائلين (إن هذه الدراسة الجديدة ستجذب الشبان إليها من جراء قصر المدة التي تتطلبها والفوائد العملية التي تتضمنها، وذلك سيؤدي إلى انصراف الشبان عن سبل العلم الخالص، والى انحطاط الثقافة الفرنسية العالية). قالوا لذلك بوجوب تطويل مدة الدراسة فيها لإزالة أسباب الإغراء منها
وأما معارضو اللغات القديمة فإنهم قالوا بأن هذا الإصلاح غير واف بالمرام، لأنه أحدث سبيلاً جديداً للدراسات المهنية العالية وحدها، وترك سبل الدراسات الجامعية على حالها،