في حين أنهم كانوا يطالبون بإصلاح تلك السبل أيضاً؛ كانوا يعتقدون بوجوب إحداث نوع في الدراسة الثانوية لا يقصِّر في أهدافه السامية عن أهداف الدراسة الكلاسيكية الراهنة، ولا يهمل شيئاً من المرامي الثقافية التي عرفت باسم (الإنسانيات) منذ عصر النهضة. إنهم كانوا يدعون إلى إحداث (إنسانيات عصرية) تعوض اللغات القديمة باللغات الحية، دون أن تحيد عن أهداف العلم الخالص والدراسة الجامعية. . .
ولذلك ثابر هؤلاء على مطالبهم إلى أن جاءت وزارة (ليون بورجوا) وخطت خطوة جديدة في السبيل الذي كانوا يدعون إليه؛ إذ أنها حوّلت (التعليم الخاص) إلى فرع ثانوي جديد عرف باسم (التعليم العصري). وأصبحت الدراسة الثانوية بعد ذلك متفرعة إلى فرعين متوازيين: كلاسيكي وعصري
بدأ هذا الفرع يشق لنفسه الطريق بين أنواع شتى من الموانع والمشاكل - من قلة الوسائط إلى خصومة المحافظين وعراقيل المعارضين - إذ أن أنصار اللغات القديمة والتعليم الكلاسيكي بذلوا كل ما لديهم من قوة لتحذير أولياء الطلاب من الاعتماد على نتائج هذه البدعة، وحرصوا حرصاً شديداً على إبقاء الجامعات موصدة الأبواب أمام متخرجي الفرع العصري من الدراسة الثانوية
واستمر النزاع والنقاش، ووصل الأمر - في أواخر القرن - إلى درجة من الحدة اضطر معها مجلس الأمة إلى القيام بتحقيق برلماني خاص؛ فألف لجنة لدرس مسألة الثانوية من جميع وجوهها دراسة واسعة النطاق. فاستمعت اللجنة لآراء عدد كبير من رجال العلم والأدب والتربية والتعليم، من رؤساء الكليات والجامعات إلى كبار رجال العمل في المهن المختلفة وخصصت في أبحاثها موقعاً خطيراً لدرس مسألة التعليم العصري والتعليم الكلاسيكي
وقد أظهر هذا التحقيق الشامل عدة حقائق مهمة حول مسألة تعليم اللغات الميتة في المدارس الثانوية
إن الدراسة الكلاسيكية المستندة إلى تعليم اللغات القديمة، كانت لا تزال تتمتع بشهرة عظيمة بين أولياء الطلاب. كان المثقفون منهم قد نشئوا نشأة كلاسيكية، فتعودوا أن ينظروا إلى أن معرفة اللاتينية - معرفة تمكن من ترصيع الكلام ببعض عبارات منها عند