العبث مقاومة الأمويين وأن من الخطأ الانحراف في تيارات السياسة وفي الفتن التي ظهرت بعد وفاة الرسول؛ فاتبعوا سياسة (العزلة) ورأوا فيها خير وسيلة من وسائل النجاة. وقد قويت هذه النظرية بعد المعارك الإسلامية التي وقعت فيما بين المسلمين فأصبحت مبدأ من المبادئ القوية ذوا قواعد وأحاديث وأتباع ورجال يدعون إليه ويبشرون.
ومن الذين فضلوا العزلة واجتنبوا الأحزاب سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر، وكان ينهي ابن الزبير عن طلب الخلافة والتعرض لها كما نهى آخرين عن الخوض في السياسة والانهماك بها، إلا أنه لم يؤيد جانب الأمويين ولم يبدأ رأياً في سياسة فترك الأمور تجري في مجاريها إلا ما كان يخص مبدأ من مبادئ الأخلاق أو الدين.
وقد كان من مصلحة الأمويين بالطبع إعراض الناس السياسة والانصراف عن التفكير في الملك ولا سيما إذا كان ذلك من الأسر الرفيعة والبيوتات ومن أهل الحرمين؛ ولذلك حاول الأمويين مراراً بذل الأموال في المدينة ومكة وتعويد الناس على عيشة اليذخ والراحة والتلذذ بملاذ الحياة الناعمة وفي ذلك ضمان في صرف السادات عن التفكير في الحكم. ولو أن هذه السياسة لم تنجح ولم يتمكن الأمويين مع ذلك من تحويل أهل المدينة عن التفكير في مصير الحق والناس.
ولقد كان من مصلحة الأمويين أيضاً أن يذاع فيما بين الناس بأن كل ما حدث إنما حدث بحكم الله وقضائه، لأن في ذلك تثبيتاً لمركزهم وتأييداً لحجتهم؛ فإذا كان الله قد قضى ذلك فلا مرد لحكمه ولا قوة تمكن الناس من زحزحتهم عن الحكم. وإذا كان الله قد قضى أن يكونوا ملوكاً فله حكمه وعلى الناس الصبر والانتظار.
على كل حال فقد أوجد عبد الله بن عباس في مدينة الطائف جواً علمياً وكون مدرسة حقيقية بفضل هذه النزعة الفلسفية اغلتي كان يميل إليها منذ صغره فكان (يجلس يوماً لا يذكر فيه إلا الفقه، ويوماً لا يذكر فيه إلا التأويل، ويوماً لا يذكر فيه إلا المغازي، ويوماً الشعر ويوماً أيام العرب). وقد ألتفت حوله جماعة من طلاب العلم كانت تتلذذ بالاستماع إليه. فكان يجيبهم ويسألهم ومن هذه المناقشة العلمية يتولد منهج البحث.
ولم يجد عبد الله بن عباس شأن سائر علماء الصحابة غضاضة من الأخذ عن أهل الكتاب أو عمن أسلم منهم. مثل (كعب الأحبار) و (عبد الله بن سلام) وإن كان قد حذر منهم ونهى