من لا علم له عن الأخذ عنهم لما أشهر عنهم من الوضع والدس (لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء)(ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألهم). ويظهر مما ورد في الكتب أن أبن عباس كان قد سأل (كعب الأحبار) عن مسائل كثيرة منها ما يخص المسائل الإسرائيلية، ومنها ما يخص القضايا الإنجليزية، ومنها ما يخص مسائل تفسير القرآن الكريم. وحتى في القراءات، كالذي ورد من أن ابن عباس أختلف مع عمرو ابن العاص في قراءة (لدنى - أو لدنى) فذهبا إلى كعب الأحبار لتسوية ذلك الخلاف.
وإذ دققنا هذه الأخبار والروايات التي ذكرها الرواد عن ملاقاة ابن عباس لكعب الأحبار تدقيقاً علمياً فأننا سنخرج من هذا البحث ونحن غير مطمئنين من وقوع هذه الملاقاة. ولا تستطيع أقوى رواية تأكيد رؤية عبد الله لكعب الأحبار وعلى الرغم من تأكيد الرواة من أن عبد الله وأمثاله من كبار المسلمين كانوا يلجئون إلى كعب وأمثاله في مسائل كثيرة إلا أني لا أستطيع أن أسلم بأكثر ما رووه وما ذكروه عن عبد الله بن عباس وصلاته بمن أسلم من أهل الكتاب.
وقد زعم جماعة من المستشرقين استناداً على بعض الأخبار أن عبد الله بن عباس كان يجالس يهود الحجاز يتحدث إليهم، وأنهم كانوا يزورونه في بيته، وأن ما رواه عن الخليقة والتكوين والأنبياء هو من وحي هذه الجلسات. وقد فاتهم أن الخليفة عمر ابن الخطاب كان قد أمر في خلافته بإجلاء جميع أهل الكتاب لأنه لا يجتمع دينان في جزيرة العرب؛ فكيف يمكن مجالسة اليهود لعبد الله بن عباس في بيته بالطائف أو اجتماعه معهم في الحجاز والظاهر أن هذه الأخبار إنما دخلت على ابن عباس، وأن الذين أسلموا من أهل الكتاب، والذين اجتمعوا به قد استغلوا فرصة اجتماعهم به فادخلوا ما أرادوا إدخاله باسم عبد الله بن عباس، وقد وجدت أرضاً صالحة في العهد العباسي لأسباب سياسة اقتضتها مصلحة الدعاية في ذلك العهد ظناً من ساسة ذلك العهد أن في رواج هذه الأخبار زيادة في منزلة جدهم الذي كان يجادل أهل الكتاب وينتصر عليهم ويفسر لهم أخبار كتبهم وأمور دينهم، ويروي لهم ما في التوراة والإنجيل. وقد اقتضت مصلحة السياسة في ذلك العهد وضع أحاديث كثيرة حتى على لسان الرسول في الثناء على هذه الدولة وعلى أرض بغداد وفي التبشير بملامح بعض الخلفاء.