وقد تمكن من أسلم من أهل الكتاب من تكوين دعاية طويلة عريضة فصوروا في الكتب الإسلامية على أحسن صورة. صوروا على أنهم أعلم أهل زمانهم، وأنهم أفقه أبناء دينهم في التوراة، وأنهم (الأحبار) حقاً، وأنهم كانوا يعرفون أصل التوراة ومحتواه من أسرار. ولهذا السبب قالوا عن أحدهم وهو (كعب) أنه (كعب الأحبار) وأنه (ملجأ العلماء)، وأنه درس عامر ابن عبد الله بن عبد القيس الأنباري الزاهد المعروف التوراة في نصها الأول وأنهم كانوا على جانب كبير من الزهد والتقوى، وأنهم فوق التهمة والكذب. ولكن جمهرة من المحققين ارتابت من هذا القول وشكت في أكثره. والواقع أن أكثر ما روى عن هؤلاء من أخبار وأقوال يشير إلى أنهم لم يكونوا على نحو ما قيل عنهم من العلم، وأنهم لم يكونوا أصحاب علم بالتوراة وأنهم ما أوردوه بثوب إسلامي لم يكن سوى أشباح ضعيفة لما ورد في بعض الأماكن من أسفار التوراة.
وأنه كان في الواقع نوعاً من القصص الشعبي الإسرائيلي الذي كان شائعاً بين يهود اليمن والحجاز وأنهم بيهوديتهم هذه يختلفون كثيراً عن يهود فلسطين أو العراق. وأنهم حاولوا إدخال (اليهوديات) في الإسلام وهو ما عرف فيما بعد باسم (الإسرائيليات) أو (القصص الإسرائيلية)، والتي حذر منها المفسرون. وأن بعضهم تآمر على الخلفاء؛ بينما كان يتظاهر بخلاف ذلك.