- أريد أن أقول إن من اندفعوا وراء الشره والفجور والسكر، ولم تدر في خلدهم فكرة اجتنابها، سينقلبون حميراً وما إليها من صنوف الحيوان. فماذا ترى أنت؟
أرى أن ذلك جد محتمل
وهؤلاء الذين اختاروا جانب الظلم، والاستبداد والعنف، سينقلبون ذئاباً أو صقوراً أو حداً، وإلا فإلى أين تحسبهم ذاهبين؟ فقال سيبيس: نعم، إن ذلك، ولا ريب، هو مستقر تلك الطبائع التي تشبه طبائعهم
فقال: وليس من العسير أن نهيئ لهم جميعاً أمكنة تلأئم طبائعهم وميولهم المتعددة
فقال: ليس في ذلك عسر
- وحتى بين هؤلاء ترى فريقاً أسعد من فريق، فأولئك الذين اصطنعوا الفضائل المدنية والاجتماعية التي تسمى بالاعتدال والعدل، والتي تحصل بالعادة والانتباه، دون الفلسفة والعقل، أولئك هم أسعد نفسا ومقاماً. ولم كان أولئك هم الأسعد؟ لأنه قد يرجى لهم أن يتحولوا إلى طبيعة اجتماعية رقيقة تشبه طبيعتهم، مثل طبيعة النحل أو النمل، بل قد يعودون مرة ثانية إلى صورة البشر، وقد يخرج منهم أناس ذوو عدل واعتدال
- ليس ذلك محالاً
- أما الفيلسوف، أو محب التعلم، الذي يبلغ حد النقاء عند ارتحاله، فهو وحده الذي يؤذن له أن يصل إلى الآلهة، وهذا هو السبب، أي سمياس وسيبيس، في امتناع رسل الفلسفة الحق عن شهوات الجسد جميعاً، فهم يصبرون ويأبون أن يخضعوا أنفسهم لها - لا لأنهم يخشون إملاقاً، أو يخافون لأسرهم دماراً، كمحبي المال، ومحبي الدنيا بصفة عامة، ولا لأنهم يخشون العار والشين اللذين تجلبهما أعمال الشر كمحبي القوة والشرف. قال سيبيس: لا يا سقراط، إن ذلك لا يلائمهم فأجاب: حقاً إنه لا يلائمهم. وعلى ذلك فأولئك الذين يعنون بأرواحهم، ولا يقصرون حياتهم على أساليب الجسد، ينبذون كل هذا، فهم لن يسلكوا ما يسلك العمي من سبل، وعندما تعمل الفلسفة على تطهيرهم وفكاكهم من الشر، ويشعرون أنه لا ينبغي لهم أن يقاوموا فعلها، بل يميلوا نحوها، ويتبعوها إلى حيث تسوقهم