قال: سأحدثك. إن محي المعرفة ليدركون عندما تستقبلهم الفلسفة أن أرواحهم إنما شدت إلى أجسادهم وألصقت بها، ولا تستطيع الروح أن ترى الوجود إلا خلال قضبان سجنها، فلا تنظر إليه وهي في طبيعتها الخاصة، إنها تتمرغ في حماة الجهالة كلها، فإذا ما رأت الفلسفة ما قد ضرب حول الروح من قيد مخيف، وأن الأسيرة تنساق مدفوعة بالرغبة إلى المساهمة في أسر نفسها (لأن محبي المعرفة يعلمون أن هذه كانت الحالة البدائية للروح، وأنها حين كانت في تلك الحال، تسلمتها المعرفة، ونصحتها في رفق، وأرادت أن تحررها، مشيرة لها بأن العين مليئة بالخداع، وكذلك الأذن وسائر الحواس، لتحملها على التخلص منها تخلصاً تاماً، إلا حين تدعو الضرورة إلى استخدامها، وأن تتجمع وتتفرغ إلى نفسها، وألا تثق إلا بنفسها وما توحي به إليها بصيرتها عن الوجود المطلق، وأن تشك في ما يأتيها عن طريق سواها، ويكون خاضعاً للتغير)، فالفلسفة تبين لها أن هذا مرئي ملموس، أما ذلك الذي تراه بطبيعتها الخاصة فعقلي وخفي، وروح الفيلسوف الحق تظن أنه لا ينبغي لها أن تقاوم هذا الخلاص، ولذا فهي تمتنع عن اللذائذ والرغبات، ولآلام والمخاوف، جهد استطاعتها، مرتئية أن الإنسان حينما يجوز قدراً عظيما من المسرات أو الأحزان أو المخاوف أو الرغبات، فهو لا يعاني منها هذا الشر الذي تقره الظنون - كأن يفقد مثلاً صحته أو متاعه، مضحياً بها في سبيل شهواته - ولكن يعاني شراً أعظم من ذلك، هو أعظم الشرور جميعاً وأسوأها، هو شر لا يدور في خلده أبداً
قال سيبيس: وما هو ذلك يا سقراط؟
- هو هذا: حينما تحس الروح شعوراً شديد العنف، بالسرور أو بالألم، ظننا جميعا، بالطبع، أن ما يتعلق به هذا الشعور العنيف يكون عندئذ أوضح وأصدق ما يكون، ولكن الأمر ليس كذلك
- جد صحيح
وتلك هي الحال التي يكون فيها الجسد أشد ما يكون استعباداً للروح
- وكيف ذلك؟
- لأن كل سرور وكل ألم يكون كالمسمار الذي يسمر الروح في الجسد، ويربطها به، ويستغرقها، ويحملها على الإيمان بأن ما يؤكد عنه الجسد أنه حق فهو حق، ومن اتفاقها مع