للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لي خصما وعلي منكرا. فانتهرني وطرحني في السجن، وأمرني بطلاقها فأبيت. فبسط علي العذاب وأفتن في إيلامي! فلما اشتد علي الضيق، وأيقنت بالهلكة لم أجد بدّاً من طلاقها، فطلقتها، والعين عبري والقلب موجع!. . . فما انقضت عدتها حتى تزوج بها مروان، وأمر السجان بإطلاق سراحي. وقد أتيتك - يا أمير المؤمنين - صارخا فزعا، متغطيا من الدهر بظل جناحك! وأنت غياث المكروب وسند المسلوب! فهل من فرج؟!. . . ثم أجهش الأعرابي بالبكاء وأنشد:

في القلب مني نار ... والنار فيها استعار

والجسمُ مني نحيلٌ ... واللون فيه اصفرار

والعين تبكي بشجو ... فدمعها مدرار

والحب داء عسير ... فيه الطبيب يحار

حملت منه عظيما ... فما عليه اصطبار

فليس ليلي بليل ... ولا نهاري نهار

وكان لمرأى هذا الزوج الواله وشدة ضراعته وعظم تفجعه ورقة شكاته، أثر أي أثر في نفس معاوية!. . . فأطرق برهة؛ ثم رفع رأسه وقد ازمهر وجهه الأبيض كأنما نضح بالأرجوان فقال: ويلي على ابن الطريد! كيف عزبت عنه حلوم أمية؟ لقد تعامه في طغيانه، وتمادى في أضاليل هواه، وطرفت عينه الدنيا. فما إن يزال في طفش ورفْش، فلعمري لئن بقيت له لأقيمن من صعر خديه!. . .

ثم التفت إلى سعد فقال: طب نفسا وقر عينا - يا أخا عذرة - فقد سألتنا النَّصف، وستبلغ ما رجوته إن شاء الله!

ودعا من فوره بدواة وقرطاس، وكتب إلى مروان كتابا صدره بكلام أخشن من مس الحجر، وأزره بشعر أبرق له فيه وأرعد:

ركبتَ أمراً عظيماً لستُ أعرفه ... أستغفر الله من جور امرئ زاني!

قد كنت تشبه صوفياً، له كتب ... من الفرائض أو آيات قرآن

حتى أتانا الفتى العذري منتحباً ... يشكو إليّ بحقٍّ غير بهتان

أعطي الإله عهوداً لا أَخيس بها ... أولاً، فبُرِّئتُ من دين وإيمان

<<  <  ج:
ص:  >  >>