للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إن أنت راجعتني فيما كتبتُ به ... لأجعلنّك لحماً بين عِقْبان

طلّق سعادَ وجهِّزها مُعجلة ... مع الكميت ومع نصر بن ذبيان

فما سمعت كما بُلِّغت من عجب ... ولا فعالك حقاً فعلُ إنسان

ثم طوى الكتاب وختمه ودفعه إلى الكميت ونصر ابن ذبيان، وأمرهما أن يذهبا إليه!

فجد الرسولان في السير حتى بلغا مروان، وسلما إليه كتاب أمير المؤمنين. فلما قرأه عرته رعدة واصفر كأنه جرادة ذكر! ثم أرسل زفرة عميقة كاد يتفسأ لها حجاب قلبه. وقال: ودِدت أن - أمير المؤمنين - خلى بيني وبينها سنة ثم عرضني على السيف!

ولبث مدة يؤامر نفسه في طلاقها فلا يستطيع! فاشتد عليه الرسولان وأزعجاه، حتى طلقها وأسلمها إليهما بعد أن أحسن جهازها!

ولكنه أراد أن يثأر لنفسه من سعد، فلجأ إلى حيلة من حيله الشيطانية التي كانت سببا في قتل الخليفة الثالث، وشق عصا المسلمين!. . . فأرسل إلى معاوية كتابا يصف فيه مفاتن سعاد وصفا يثير صبوة الجماد! راجيا أن يقع الخليفة في شرك الحسن فيستبد بالفتاة ويرجع الزوج بخفي حنين! ثم تأسى بمعاوية في قرض الشعر فختم الكتاب بأبيات من الوزن والقافية:

لا تحنثَنَّ - أمير المؤمنين - فقد ... أُوفي بعهدك في رفق وإحسان

وما ركبتُ حراماً حين أعجبني ... فكيف سُمّيتُ باسم الخائن الزاني

أعذر! فإنك لو أبصرتها لجرت ... منك الأماني على تمثال إنسان

وسوف تأتيك شمس ليس يعدلها ... عند البرية من إنس ومن جان

حوراء يقصر عنها الوصف إن وصفت ... أقول ذلك في سرّ وإعلان

فلما ورد كتابه على معاوية وقرأه قال: لقد أحسن في الطاعة ولكنه أطنب في وصف الجارية. فإن صح أنها جمعت بين جمال الصورة وطيب النغمة فهي أكمل البرية طرّاً!

وعقد معاوية مجلسا من خاصته، ودعا إليه سعدا. ثم تقدم بإحضار سعاد، فطمح الحضور بأبصارهم إلى الباب ليروا محيا البدر المنير على قامة الغصن النضير!

وبعد قليل أقبلت الفتاة تتأطر في مشيتها، ساحبة أذيال الأضريح وقد حف وجهها إطار من شعرها الفاحم، فبدا كأنه قمر يطل من فتوق سحابة دكناء، أو لآلاء فجر في بقية من غبش

<<  <  ج:
ص:  >  >>