للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الظلام!!

وسلمت على الخليفة من بعيد، فرد عليها السلام ثم استدناها منه واستنطقها فإذا بيان عذب جلي في صوت كأنه غنة الظبي أو خفق الوتر!

فسبح معاوية البارئ العظيم! وأراد أن يعجم منزلتها عند سعد فقال: يا أعرابي، هذه سعاد، ولكن. . . هل لك عنها من سلوة بأفضل الرغبة؟ فأجاب الأعرابي: نعم! وكأن معاوية شك فيما سمع فقال متثبتا: نعم يا أعرابي؟ فقال: نعم. نعم، إذا فرقت بين جسدي وروحي! فقال معاوية: أعوضك منها يا أعرابي ثلاث جوار أبكار حسان - مع كل جارية ألف دينار - وأقسم لك من بيت المال ما يكفيك في كل سنة ويعينك على صحبتهن!

فشهق الأعرابي شهقة ظن معاوية انه لفظ روحه فيها!. . . فارتاع وقال له: ما بك يا أعرابي؟ قال: شر بال وأسوأ حال! واستجرت بعدلك من جور ابن الحكم فعند من استجير من جورك؟ ثم أنشأ يقول:

لا تجعلنِّيَ - والأمثالُ تُضرَب بي - ... كالمستجير من الرمضاء بالنار

أردد سعاد على حيرانَ مكتئب ... يمسي ويصبح في هم وتَذكار

قد شفّه قلَق ما مثله قلق ... وأُسعِر القلب منه أي إسعار

كيف السلوّ وقد هام الفؤاد بها؟ ... وأصبح القلب عنها غير صبّار

وكأن معاوية استخشن هذا الكلام فغضب، أو قل: إنه تظاهر بالغضب، فما كان للغضب عليه من سبيل! فقال: يا أعرابي الحق بيّن. أنت مقر بطلاقها، ومروان مقر بطلاقها. ونحن نخيرها، فإن اختارتك أعدناها إليك بعقد جديد، وإن اختارت سواك زوجناها به. . .

ماذا تقولين يا سعدى؟ أيهم أحب إليك: أمير المؤمنين في عزه وشرفه ونعمته وترفه، أم مروان في عسفه وجوره، أم هذا الأعرابي في خشونة عيشه وسوء حاله؟

ألقى معاوية هذا السؤال وهو أعرف الناس بجوابه! فإنه لا يزال يذكر قول زوجه ميسون بنت بحدل الكلبية حينما نقلت إلية من البادية:

لبت تخفق الأرواح فيه ... أحبّ إليّ من قصر منيف

وخرْقٌ من بني عمي نحيف ... أحبّ إليّ من علْج عنيف

فقال: ما رضيت حتى جعلتني علجا؟!

<<  <  ج:
ص:  >  >>