وفؤادي من الملوك وإن كا ... ن لساني يرى من الشعراء
وهو مفتون بذلك منذ صباه، ولا عجب في ذلك فأن كثيرا من الناس تولد معهم الآمال في طراءة السن وميعة الشباب، وعصر أبي الطيب الصاخب المليء بحوادث الانقلاب خليق بأن يثير في نفسه لواعج الآمال؛ قيل له وهو صبي (ما أحسن وفرتك) فأجاب:
لا تحسن الوفرة حتى ترى ... منشورة الضفرين يوم القتال
على فتى معتقل صعدة ... يعلها من كل وافي السبال
فأما الكبر فقد كان أبو الطيب مستكبراً تياهاً صلفاً يرى أن لا أحد مثله وأن أعلم أهل زمانه فدم وأحزمهم وغد، وأن كل ما خلق الله وما لم يخلق حقير إلى جانب عظمته كشعرة في مفرقه. ولقد كان من آثار كبره أن ترفع عن مدح الوزير المهلبي والصاحب ابن عباد، وحدثته نفسه أن يتأبى على عضد الدولة، ولولا أن ابن العميد زين له الذهاب إليه وأغراه بما سيناله لديه من التكرمة والمال لكان قد امتنع. ولقد جر على نفسه بهذا الترفع عداوة الوزير والصاحب وعداوة أشياعهما من الشعراء والكتاب والعلماء. فأما الوزير فقد أغرى به شعراء العراق يزدرونه وينالون من عرضه ويبالغون في هجائه، وأغرى به جماعة من العلماء منهم أبو الفرج صاحب كتاب الأغاني يتعقبونه ويشهرون به. وأما الصاحب فلم يسكته عنه علمه بمحاسنه وكثرة ما كان ينتفع بمعانيه، بل أخذ يتتبع هفواته ويعد عليه سقطاته ويغري به المترددين عليه الطامعين في عطاياه، وما أكثر هؤلاء!!!
ونحب أن ندل هنا على أمرين: الأول أن آثار كبر أبي الطيب وترفعه لم تظهر جلية واضحة إلا بعد أن اتصل بسيف الدولة ونبه شأنه. فأنت تراه قبل ذلك يمدح قوماً لا نباهة لهم ولا ذكر، وتراه يمدح على أتفه العطايا، وقد تنبه إلى ذلك أبو منصور الثعالبي فهو يقول:(وكان قبل اتصاله بسيف الدولة يمدح القريب والغريب، ويصاد ما بين الكركي والعندليب) اهـ، وأبو الطيب معذور في ذلك فإن سيف الدولة قد غمره بعطاياه حتى درت له أخلاف الدنيا ولقي في جواره من الكرامة ما شجا حاسديه فكان خليقاً أن يقول فيه: