اليابان أن تحتل هذه المعاقل الثلاثة النائية: معبر توانج كوان، ومرتفعات شانسي، ووادي نهر هان، قبل أن تأمل بسط سيطرتها على أبناء (الأرض الطيبة)، وقد أحجمت. . . فهي تعلم أن الدول الثلاث المحيطة بها لا شك مقدمة على وقفها عند حدها إن هي تجاوزته؛ ولكن مطامع اليابان كانت متأصلة في نفسها، مُلحة عليها، مكبوتة متحفزة، مخبوءة متربصة، فهي إذن لا مراء مندفعة إلى عالم الوجود، إن عاجلاً أو آجلاً، كماء تفجر من ينبوع جياش، فينقلب إلى سبيل متدافع أرعن لا حاكم له ولا ضابط. لذا استقر رأي ولاة الأمور على تلافي تلك العاقبة الهوجاء بتفريج الحال على دفعات خلال منفس صغير أدّى بهم إلى سلوك مسلك عجيب، بريء المظهر، خبيث الطوية، مسلك المنحرش بالقوم الآمنين حتى يستفزهم، الغاضب لإهانة وهمية لم تلحقه، المتوعد بالويل حتى يسترضى فيتأفف، ثم المقدم على اغتصاب تعويض ضخم ليس من حقه، وقد بنيت الخطط على أن يكون التعويض المذكور مقاطعة صينية تنتزع انتزاعاً لتضم إليهم، وعندما يتم إدماجها اقتصادياً واجتماعياً في نظامهم المرسوم تُعاود عملية الاستفزاز من جديد وهكذا دواليك.
وتحرشوا أول مرة في (مكدن) في سبتمبر سنة ١٩٣١ فضُمت منشوكو إليهم. . . وتلمظت طوكيو هانئة بالذي ابتلعت، وأدارت وجهها لانتقاء وجبتها التالية، بينما مضت إدارتها الداخلية تنسق الولاية الجديدة. . . ولم تعلق كبير اهتمام بذلك الشاب الصيني اليافع الذي علمته في مدارسها الحربية، وأنعمت عليه بلباسها العسكري، فجازاها بأن ألقاه في وجهها وفرّ منها متقلباً بين اليمين والشمال في حكومات الصين، موحّداً لواءها مرة ومشعلاً الحرب بينها مرات، ذلك الشاب الذي أضحى الآن رجلاً قوي الشكيمة شديد البأس على رأس جيش عرمرم، ذلك الرجل الذي توصل أخيراً إلى توحيد مختلف حكومات الصين تحت تعاليم أستاذه العظيم (صون يات صن) ذلك الرجل الصارم العنيد، شانج كاي تشك رجل الصين الأعظم، ورمز عصرها الجديد.
تنبه القائد الصيني للخطر المحدق ببلاده فأعد خطته على أساس توسيع رقعة القتال بمجرد نشوبه مرة أخرى، فيورط اليابان في حرب أرجاؤها فسيحة وسط قوم مناهضين لهم ساخطين عليهم. أستمع إليه قبل الحرب بثلاث سنوات وهو يخاطب ضباطه في (كولنج): (تظن اليابان أن في إمكانها احتلال الصين دون كبير عناء. . . وهي لا بد معاودة التحرش