وآه ثم آه من بلاء الناس بالناس!
قَدِمَ مندوب المتجر الفلاني إلى المدرسة الفلانية وأخذ مقاس جميع التلميذات بدون استئذان ليعدّ لهن أثواب الصيف، وهو موقن بأن لن يكون في مقدور تلميذة أن ترفض ثوبها (يوم الحساب) لئلا يقال إن أباها من الفقراء!
فما شأن المتجر الفلاني بالمدرسة الفلانية؟
وما الذي يوجب أن تكون ملابس جميع التلميذات كأسنان المشط في اللون والاستواء. وقد نوّع الله الوجوه والملامح أغرب التنويع؟
أفي مثل هذه الأيام نعرف الفروق بين ملابس الصيف وملابس الشتاء؟
كان الظن أن يعرف نظار وناظرات بعض المدارس أن في الآباء من لم يستفد من فرص الحرب، كما استفاد من سيكونون طعام سقر من التجار المنهومين
وكان الظن بالأغنياء الذين يدللون أبناءهم أن يتذكروا أن لأبنائهم رفاقاً لا يملكون من الترف ما يملكون، وأن الأدب مع الله يفرض علينا أن نستر نعم الله، فلا نجأر في كل لحظة بأننا أغنياء، لنكدر عيش الفقراء
وآه ثم آه من بلاء الناس بالناس!
الظواهر لا تشغل الخلائق إلا حين يُحرمون جمال المعاني
والمفاضلة بين تلميذ وتلميذ في هذا العصر مفاضلة بين ثوب وثوب، وليست مفاضلة بين عقل وعقل، ولهذا كثرت خيبة التلاميذ النجباء!
ما لي ولهذا الكلام المزعج؟
هو كلام ساقه جزعي من العجز عن ادخار درهم واحد في مدى شهرين، بسبب الجو الذي يحيط بي وبأبنائي، جوّ الزخرف الذي يحيا فيه الأصحاب والجيران
كنت أوصي تلاميذي في مصر وفي العراق بالادخار، وكنت أقول لهم إن الادخار هو الذي منحني الفرصة لإتمام دراستي العالية في باريس، بعد توفيق الله. واليوم يصعب عليّ أن أوصي أبنائي بما كنت أوصي به تلاميذي. وكيف يسمع أبنائي ما أقول ومن حولهم خلائق عجز عن تأديبها الزمان؟
إن عدوى الترف سريعة الإيذاء، فلنحترس من شرها كل الاحتراس