تستحق الدرس؛ بيد أنا نكتفي هنا بترجمته بإيجاز، فهو عبد الغني بن إسماعيل بن عبد الغني أبن إسماعيل بن أحمد النابلسي الحنفي الدمشقي النقشبندي القادري، وينعت بشيخ الإسلام وأستاذ الأساتذة؛ ولد بدمشق في سنة ١٠٥٠ هـ (١٦٤٠ م) ودرس القرآن والحديث والفقه والنحو، وقرأ على أعظم شيوخ العصر في دمشق، وانتظم منذ فتوته في الطريقة القادرية ثم الطريقة النقشبندية، وأنكب على قراءة الأدب الصوفي ولا سيما آثار محي الدين ابن العربي؛ وتولى التدريس حيناً بالجامع الأموي؛ وحمله تيار التصوف في شبابه إلى نوع من الشذوذ والهيام فلزم داره مدى أعوام، وأطلق شعره حتى تدلى على كتفيه، وأطلق أظافره، وصارت تعتريه نوبات من الذهول حتى ظن أنه جن؛ ورماه خصومه بالزندقة واشتدت الحملة عليه؛ ولكنه تغلب على خصومه، وضاعفت المحنة هيبته وشهرته؛ وكان مغرماً بالسياحة، فسافر إلى استانبول أو دار الخلافة كما كانت تسمى يومئذ، سنة ١٠٧٥ هـ (١٦٦٤ م) ومكث بها حيناً؛ ثم طاف بالشام وثغوره، ورحل بعد ذلك إلى مصر والحجاز؛ وانقطع للتدريس منذ سنة ١١١٥ هـ، وهو في الخامسة والستين من عمره وأقام في أواخر حياته بالصالحية على مقربة من دمشق، وعلا قدره وطار صيته، وتوفي سنة ١١٤٣ هـ (١٧٣٠ م) وقد أربى على التسعين من عمره، ودفن بالصالحية، وقبره يعتبر مزاراً يتبرك به إلى اليوم.
وكتب النابلسي عدة كبيرة من الكتب والرسائل في التفسير والحديث والفقه والتصوف؛ وقد اشتهر بالأخص ببديعيته في مدح النبي صلى الله عليه وسلم وهي المسماة (نسمات الأسحار في مدح النبي المختار)؛ وله شرح لديوان ابن الفارض؛ ومنظومة في تاريخ ملوك بني عثمان؛ ودون رحلته عن الشام ومصر والحجاز في سفر كبير اسماه (الحقيقة والمجاز)؛ وبلغت مؤلفاته ورسائله أكثر من مائة، اشتهر الكثير منها في أنحاء العالم الإسلامي
كانت أمنية الحج باعث الرحلة الكبيرة التي قام بها عبد الغني النابلسي سنة ١١٠٥ هـ (١٦٩٣ م) في الشام ومصر والحجاز؛ وهو يخصص لهذه الرحلة كما قدمنا سفراً خاصاً عنوانه (الحقيقة والمجاز في رحلة بلاد الشام ومصر والحجاز)، لدينا منه بدار الكتب نسخة خطية جميلة؛ وينقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام، يخصص القسم الأول منه لرحلة الشام وفلسطين، والثاني للرحلة المصرية، والثالث لرحلة الحجاز؛ ويدون النابلسي رحلته