للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حسن باشا، ذعر الطاغيتان خوفاً من أن ينتهز الشعب تلك الفرصة فيثور مظهراً ما في نفسه من الألم، فحاولوا التقرب إلى زعمائه، وقد وصف أحد من شهد ذلك العصر تذلل الأمراء بقوله: (فذهب إبراهيم بك إلى الشيخ البكري، ثم الشيخ العرومي والشيخ الدردير، وصار يبكي لهم وتصاغر في نفسه جداً وأوصاهم على المحافظة وكف الرعية عن أمر يحدثونه أو قومة أو حركة في مثل هذا الوقت، فانه كان يخاف ذلك جداً)

والحق أن شعب مصر كان عند ذلك قوى الإحساس بنفسه، وبما ينبغي له من الحرية، وما يجب له من الحقوق، لا يتهاون في إظهار ذلك الإحساس بشتى الوسائل كلما لاحت له فرصة، أو كلما حدث حادث يشتم منه رائحة الاستهانة بكرامته أو الاعتداء على حرماته. ولهذا كانت ثوراته تتوالى عند كل مناسبة، فما تكاد ثورة تهدأ في القاهرة حتى تشب أخت لها في رشيد، وما تكاد تلك تخبو حتى تبدأ أخرى في بلبيس، وكان بعض هذه الثورات يبدو عنيفاً كأنما هو ينذر بثورة شاملة كثورة فرنسا. ونحن إذا بحثنا حال فرنسا قبيل ثورتها لا نستطيع أن نرى من بوادر ثوران النفوس أكثر مما بدا في أواخر القرن الثامن عشر في مصر، فان فرنسا ظلت على ما كانت عليه من سوء الحكم، ومن العبث بالحريات إلى أواخر ذلك القرن؛ لا بل إن سوء الحكم فيها قد زاد في أواخر ذلك القرن عما كان في أواسطه، فكانت أفاعيل لويس الخامس عشر وخليلته المشؤومة في أواخر ذلك القرن جديرة بكل حنق وكل غيظ، ولكن الفرنسيين لم يثوروا عند ذلك، وإنما كانت ثورتهم في أيام الملك الطيب الذي جاء عقبه، أما في مصر فقد بدت تلك الثورات كالشرر المتطاير وما كان أقمنها أن تنتهي إما بثورة تامة كثورة فرنسا، وأما بإصلاح تدريجي شامل يتناول كل نظمها.

وأغلب ظننا أن حكام مصر ما كانوا ليسمحوا للأمور أن تتفاقم إلى أن تحرج الصدور وتدفع بها إلى الثورة المدمرة، فقد كانوا دائماً ينزلون عند إرادة الشعب بعد أن يروا غضبته، ويصلحون ما يشكوا منه من فساد، ويقومون ما يشير إليه من اعوجاج؛ وتكررت الأمثلة الدالة على ذلك

فريد أبو حديد

<<  <  ج:
ص:  >  >>