ونظام حكمها وعلاقتها بسياسة بلادها التي حكمتها وسياسة بلادها التي ولدت فيها؛ وامتحنت منها الزوجة في قرينها الذي حالت بينها وبينه علة العجز الصحي سبع سنوات، حتى إذا شفي من عجزه أصابتها فيه خطوب الثورة ودسائس البلاط؛ وامتحنت منها الأم فطعنها الثوار وطعنها وليدها نفسه في أمومتها، بل في شرف الأمومة فضلاً عن حنانها؛ وامتحنت منها المحبة فكانت قصتها مع السويدي فرزن كأقسى ما تكون قصص الفراق أو قصص الغرام المكبوت؛ وامتحنتها في أنوثتها فوقفت بينها امرأة عزلاء بادية المقاتل لكل سهم مسموم
لذلك كانت فاجعة (ماري أنطوانيت) من أكبر فواجع التاريخ وإن كانت هي وكان لويس السادس عشر زوجها المظلوم من معدن غير معدن البطولة والجبروت، لأن النفس الآدمية تقابل هذه الفاجعة من نواحي شتى وصلت كلها إلى غاية المدى وقصارى الاستقصاء. ولا ريب أن الفجيعة الكبرى بين هذه الفجائع المتفرقة التي التقت في شخص واحد كانت هي فجيعة الأم أو فجيعة الأمومة البالغة في القسوة والإيلام
شهد القاهريون (نور ماشيرر) وهي تمثل فجيعة ماري أنطوانيت يوم جاءها وكلاء الثورة يأخذون منها طفلها الصغير وسلوتها العظمى في بلاء السجن وبلاء الضنك والحرمان
فأما (ماري أنطوانيت) فالتاريخ لا يروي لنا أنها قد فعلت في ساعة توديع ابنها ما فعلته نور ماشيرر على اللوحة البيضاء، ولا أنها قد مانعت هذه الممانعة وتخبطت هذا التخبط وبكت هذا البكاء، ولكن الممثلة أرادت أن تجمع في هذا الموقف ما تفرق في أعوام من الحنان المفجوع والعطف المطعون، فبالغت هذه المبالغة التي صدقت بها الفن وإن لم تصدق التاريخ
فقد ثبت في الأسانيد الصحيحة أن هذه الأم الوفية ضيعت نفسها مرات وأعرضت عن كثير من وسائل النجاة في سبيل الطمأنينة على وليدها الصغير
فلما فشلت خطة الهرب إلى (فارين) وأصبح استئناف السير في المركبة المقفلة ضربا من المستحيل عرض عليها بعض الأنصار المخلصين ركوب الجياد في المسافة القصيرة الباقية بينهم وبين الحدود قبل إطباق الثوار والجنود، فأبت هذا الاقتراح مخافة على ابنها أن تصيبه رصاصة من بعض الجند، لا يأمن التعرض لها على ظهر جواد كما يأمنها في