ولما دبر الملكيون إخراجها من السجن وإخراج ابنها وبنتها معها في أسمال العامل الذي يوقد المصابيح مع أولاده الصغار فشلت هذه الخطة في اللحظة الأخيرة، ثم قيل للملكة إنها تستطيع الهرب وحدها على أن تترك ابنها وابنتها ولا خوف عليهما كما يخاف عليها هي من جراء المحاكمة والاضطهاد. فأبت كل الإباء وآثرت البقاء مع ولديها على النجاة وحدها وهي لا تعلم مصير هذين الطفلين
ولما ألح عليها المحامي أن تسأل المحكمة الثورية تأجيل يوم المحاكمة ريثما يستعد للدفاع ويفرغ من مراجعة الأوراق رفضت إلحاحه وأصرت على رفضها مخافة أن يكون اعترافها بحكومة الثورة بمثابة النزول عن حق ولدها في وراثة التاج. فعاد المحامي يحتال عليها من ناحية حنان الأمومة، ويذكرها أن حياتها مطلوبة لولدها لا لنفسها، واسترسل في هذا الإغراء فلم يتحدث طويلاً على هذه النغمة حتى أقلعت عن عنادها وثابت إلى القبول وكتبت خطابها المحفوظ الذي جمعت فيه بين الحيطة والإصغاء إلى رجاء المحامي، فأفرغته في قالب الإخبار والعمل بنصيحة المحامي كأنما هو مكتوب على لسانه لا على لسانها حتى يتحقق به الإبلاغ ولا يتحقق به الاعتراف
والكارثة الكبرى يوم ضبط ابنها الصغير بعد فصله منها وهو يعبث العبث الذي لا يعرف في مثل سنه الباكرة، فلما روّع بالسؤال عمن علمه هذا أجاب على عادة الأطفال: إنها هي أمه وعمته. . .! ثم حرضه المحرضون على الشهادة بما قال وبما أضافوه إليه من هراء لا يقبله العقل ولا يحتمله التصديق، فأنفت أن تجيب عن هذه التهمة وتجاهلتها حتى نبه بعض المحلفين رئيس المحكمة إلى هذا التجاهل فأعاد سؤالها فلم تزد على أن تقول:(إذا كنت لم أجب فإنما أبيت الجواب، لأن الطبيعة تأبى أن تجاب تهمة كهذه توجه إلى أم. وإني لأحيل الأمر في هذه المسألة إلى جميع الأمهات الحاضرات في هذا المكان)
فشعر أعضاء المحكمة وشعر دعاة الاتهام معهم أن الضربة فائلة، وأنهم ما صنعوا بها إلا أن قربوا بين هذه الأم وبين جميع الأمهات والآباء، فسرى في الحاضرات والحاضرين شعور العطف عليها والرثاء لما أصابها، وما كانوا حاضرين إلا للشماتة والازدراء
وقد كان آخر ما صنعته بعد صدور الحكم بموتها ويقينها أن وليدها لم يبق له بعدها من