للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أن تحتفظ بمودة الأولى لتحتفظ بتجارتها معها وأن تحتفظ بمودة الثانية خشية على سمعتها بصفتها إحدى البلاد المسيحية الخاضعة للبابا والتي ما كان ينبغي لها أن تعادي المسيحيين في سبيل نصرة المسلمين.

وكانت حدود مصر الشمالية تضطرب كذلك بين قوتين ناشئتين إحداهما قوة الشاه إسماعيل الصفوي في بلاد العراق وإيران، والأخرى قوة النزلاء العثمانيين في بلاد الأناضول وأوربا، فقد كان محمد الفاتح أتم فتح القسطنطينية وجعل عاصمة دولته فيها محل الدولة البيزنطية العظمى. وكان الشاه إسماعيل الصفوي قد جمع أكثر العراق وإيران في دولة عظيمة تهدد الشرق كله بأن تكتسح بلاده وتبسط عليها مذهبها الديني الشيعي.

وكانت دولة الصفوي أشد دول الشرق خطرا على حدود مصر لأنها كانت تتبع طريق الدعاية والخفاء في الإغارة على البلاد التي تليها. وكانت لا تتورع عن أن تحالف المسيحيين لتساعدهم على القضاء على عظمة الدولة الإسلامية السنية الكبرى وهي مصر

فكانت القاهرة بطبيعة هذه الظروف مركزا لتيارات مختلفة بعضها مقبل من الشرق وبعضها من الغرب، لكل منها وجهة ولكل منها لون. وسننقل هنا بعض مناظر المفاوضات السياسية التي شهدتها أبهاء الحكم عند ذلك

كانت أسبانيا تدين لملك كبير وملكة عظيمة جمعا تاجي قشتالة وأرغونة في سبيل توحيد كلمة مسيحي الأندلس، وتمكنا بذلك من القضاء على آخر أثر من آثار الحكم الإسلامي الذي كان لا يزال يتحصن في غرناطة. وبلغت شكوى مسلمي الأندلس مسامع العالم الإسلامي ولاسيما دولة مصر ذات المجد التالد. وخشي عاهلا الأندلس أن يفتح ذلك عليهما باب الجهاد الصليبي القديم؛ وشاعت إشاعات سوداء عن عزم سلطان مصر أن ينتقم من رعاياه المسيحيين للثأر لمن وقعت عليهم مظالم أسبانيا من مسلمي المغرب.

فعوّل ملكا أسبانيا على أن يرسلا من قبلهما إلى مصر رسولا عظيم المقام في الدولة وهو (بطرس مارتير دانجير) وسار من غرناطة مارّا بفرنسا وإيطاليا وأبحر من البندقية في سبتمبر سنة ١٥٠١ وبلغ الإسكندرية في ديسمبر من ذلك العام

تردد السلطان الغوري في مقابلة ذلك السفير ولكنه سمح له بعد لأي بأن يمثل بين يديه، وكان ترجمان السلطان (تنجري بردى) من أصل أسباني فساعد على تخفيف ما كان عند

<<  <  ج:
ص:  >  >>