السلطان العظيم من الموجدة على سفير الملكين اللذين اشتهرا باضطهاد المسلمين وإذلالهم وإيقاع أشد صنوف الأذى بهم.
وقابل الرسول السلطان مرارا مقابلة علنية ثم سمح له بلقاء سري تم فيه إقناع السلطان بأن ما بلغه عن مظالم الحكم الأسباني إنما هو من أكاذيب يهود الأندلس، فإن السفير أقنع السلطان العظيم أن وقعة ملكي الأندلسي إنما كانت مسددة إلى اليهود، وأن هؤلاء قد هاجروا من تلك البلاد وجعلوا يشنون الغارة عليها ويرمون مليكها بالظلم والعسف كذبا لإيغار صدور المسلمين وملوكهم على دولة أسبانيا الناشئة. فلم يعد ذلك السفير من مصر إلا بعد أن كتبت له معاهدة صداقة وسلام حملها معه وغادر القاهرة فائزا في فبراير سنة ١٥٠٢
وكانت دولة البرتقال في هذه السنوات قد أفلحت في تثبيت أقدامها على شواطئ آسيا وجعلت تناصب مصر العداء في بحار الهند فأثر هذا في تجارتها حتى خلت أسواق بيروت والإسكندرية من الأفاويه التي كانت دول أوربا تتهافت على شرائها من تجار البندقية الذين يشترونها من أسواق مصر والشام. فثارت مصر لما أصابها من خسارة في تجارتها وفي سفن أسطولها، وأخذت تستعد لمقابلة عدوان البرتقال بمثله وجهز السلطان في الوقت نفسه بعثات سياسية أرسلها للمفاوضة مع البابا والبندقية ومع أسبانيا والبرتقال، وكانت رسالاته تنطوي على رجاء المليك المتحضر للدول الأخرى أن ترعى حقوقه وأن تقلع عن معاداته حفظا للسلام كما كانت تنطوي على تهديد المسيحية بالإيقاع بما للمسيحيين في الشرق كله من مصالح ورعايا ومعاهد. وكان أول رسول له في هذه المفاوضات هو رئيس دير جبل صهيون واسمه (فرا ماورو دي سان برناردينو) ثم أرسل بعد ذلك ترجمان الخاص (تنجري بردى). ولكن هذه الرسائل لم تفض إلى نتيجة حاسمة، واضطر السلطان إلى أن يعلن أنه سيعمد إلى القوة والبطش للانتقام. وما كاد يعلن هذا العزم حتى بادرت دول أوربا فأرسلت إليه سفراءها للاعتذار له وإظهار صداقتها ومودتها وأنها غير راضية عن الدول التي تسعى للإضرار بمصر أو تعمل على الكيد للمسلمين، وكانت البندقية أولى الدول التي سارعت إلى إظهار المودة والصداقة لشدة الترابط بينها وبين مصر. غير أن الظروف أساءت إلى هذه الصداقة الوراثية بين البندقية ومصر وكادت تصل بها القطيعة إلى