الجبن الهلاك فيستوي الأمران، وإذن تكون الشجاعة أولى، وأجلب لحسن السمعة وطيب الأحدوثة، ففيها حتى مع الهلاك عزاء أدبي. أو يكون الموقف من شأنه أن يورط المرء فلا يبقى مفر من الإقدام، والأمر معه. وقد يكون المرء ضعيف الخيال، أو قليل الإدراك فهو لا يحسن أن يقدر الأمور، ولا يبالغ في توهم الأخطار وتجسيدها؛ أو يكون على نقيض ذلك كبير العقل واسع الخيال، فلا يرى بأسا من الجرأة لأن فرص النجاح أو السلامة كفرص الإخفاق والتلف، أو أكثر، إلى آخر ما يمكن أن يكون باعثا للإنسان على مقاومة الحرص الطبيعي على الحياة والضن الفطري بها
ولا أعرف ما شأن غيري، ولكني أعرف نفسي على قدر ما يتيسر لي ذلك، وأعلم أني أشتهي كل ما يُشتهي في الحياة، وإذا كُنت لا أواقع كل لذة أشتهيها، أو أطلبها، أو أحلم بها، فما هذا مني عن عفة فطرية، وزهد في طباعي، فان لكل حالة من حالات الحرمان علة لا تخفي عليّ، ولا أستطيع أن أغالط نفسي فيها، وإن كنت أغالط الناس ولو سألني ربي - كما سيسألني بعد عمر طويل - لأقررت بذنوب لم أقارفها، وخطايا لم أرتكبها، وشهوات تبحث نفسي عنها، أو استعصى عليّ إرضاؤها، ولطال بي الاعتراف، والخلائق ورائي تنتظر دورها تحت الشمس المحرقة في تلك الساعة التي تذهل الأم عن ولدها، فأشفق عليهم، وأوجز وأقول إن ربي أدرى بي وأعرف بالظاهر والباطن، فلا حاجة إلى الإفاضة في الاعتراف. وإني، على الجملة، ومع تفاوت واختلاف قليلين لكما قال السمير رحمه الله: