أهم ما يمتاز به عن غيره من الملحنين والمجددين أنك لا تستطيع أن ترد له لحناً إلى لحن قديم سمعته، وأنك مهما كنت بارعاً عالماً لا تجد تلحيناً له يشبه الآخر كل الشبه أو بعضه كما نسمع في تلاحين غيره
أخرج للناس أكثر من خمسمائة (لحن) ما بين مونولوج وأهزوجة ودور، ولكنه انفرد بالتوفيق الكامل في (المنولوجات) وتمتاز تلاحينه القوية الحية بأنها لا تستغل الغرائز الدنيا فلا بكاء فيها ولا عويل، وبأنها تحتل الآذان فوراً لتصل إلى شغاف القلوب، فهو الملحن الوحيد الذي لا يكاد يخرج للناس شيئاً حتى تسمعه يجري على لسان الرجل والمرأة، والولد والبنت، لا في مصر وحدها بل في بلاد الشرق قاطبة
طيب القلب لا يخاصم ولا يناوئ ولا يحمل ضغينة أو حقد إلا من أجل المال والعمل مع أم كلثوم!
يعجبني فيه أنه شركة لا تنضب، فلو طلب منه تلحين (رواية) بأكملها وأغري بالمال الذي يعبده لرأيت التلاحين تجري على لسانه وتسيل من فيه كأنها آتية من بحر خضم!
سمع مرة رجلاً يبيع (الزيتون الأخضر) وينادي عليه بصوت جميل، وبنغم جديد سحره، فلم ير القصبجي بداً من متابعته والسير وراءه في الأزقة والحارات والدروب، حتى وصلا إلى شارع في العباسية (شارع عبدة باشا) وهناك حفظ اللحن والنغم الذي لحن به قطعته المحبوبة (يا فايتني وأنا روحي معاك). .!!
شاذ في تصرفاته، ولعل الشذوذ ضرب من ضروب العبقرية، فهو يركب الترام فإذا ألفاه مزدحماً، وكان الجو حاراً تظاهر بأنه محموم وأخرج من جيبه (الترمومتر) ووضعه في فيه وتهالك وأكسب وجهه منظر الذي سيموت بعد لحظات فلا يلبث الركاب أن ينسحبوا، ولا يلبث الترام أن يخلو جميعه إلا من القصبجي الممثل. . .!
هو على رأس العازفين في الشرق، وتعتبر (ريشته) أقوى ريشة في مصر، فهي تمتاز بالقوة والحلاوة والقدرة على الاستمرار في العزف ليلة كاملة دون أن تسمح للملل بأن يتطرق إلى نفوس السامعين؛ ومع ذلك فإن محطة الإذاعة تتجاهله ولا تحس بوجوده لأنه يرفض الأجر الذليل. . .!
لولا بخله الشديد، ولولا بيعه تلاحينه أكثر من مرة لكان شيئاً عظيماً. . . ولكنه إنسان!