أين تقف عيناي من دعوتك الكريمة يا سيدي رسول الله. . . إنهما لتتقلبان في مدى واسع الفضاء، فسيح الأرجاء، بعيد الأطراف. . . وإنهما لتزوغان وتضلان. . . وإن إحداهما لتظلم الأخرى حين تحاول أن تقف بها عند حادث من الحادثات التي يملوها ذكرك الرطب، أو في مرحلة من المراحل التي يغشاها خيالك الندى. . . وإني لأحاول أن استقر في هذه المشاهد التي تتنازعني. . . فما أسرع ما تنتابني السنون. . . وتنثال من أمامي صور كلها كريم. . . عزيز. . . نادر. . . وتنبعث في ذهني لوحات كلها قوى. . . أبي. . . جريء. . . فأحار أين أبدؤ منها، وأين أنتهي فيها، وكيف أستقر عند واحد منها. . . وأتيه بينها. . . كما يتيه الإنسان في النغم الخالد: لا يستطيع أن يفصل أجزاءه، أو يمايز بين مقاطعة، أو يدري سرَّ الخلود فيه. . . لأن الخلود قائم في كل نغماته، منساب في كل ضرباته. . .
فاغفر لي يا سيدي رسول الله. . هذه الجرأة: أن أرتفع ببصري الكليل لأدرك البصيرة المتقدة. . . أن أفتح عينيَّ الضعيفتين لأصوّبهما إلى الشمس. . . فلن أملك بعد إلا أن أغمضهما على الإكبار الذي يخالط الشغاف، والإجلال الذي يستقر في الحنايا. . . والحب الذي يطأطِي مني ما لم يطأطأ لإنسان. . .
وسأظل أسير في ركابك يا سيدي الرسول. . . خافض الرأس. . . لأن مهابتك أجل من أن تمتد إليها عيون أو ترتفع إليها نواظر. . . وسأعيش في ظلالك الرحيبة تملؤني فكرتك، وتبهرني دعوتك، ويمضي بي هديك. . . وسأهيم في هذا الهدى، وسأنطلق في أرجاء هذه الدعوة. . . نفساً سئمت كل ما يحيط بها من عوائق، وما يحدها من علائق، وما يربطها من قيود. . . وروحاً مستها أنوارك فألهبتها، وصهرتها، ونقّت جوهرها. . . فعاشت بعد أملاً واسعاً، ورجاءً عريضاً، وشوقاً محرقاً. . .
وستستغفر يا سيدي الرسول. . . لي. . . ولهؤلاء الذين ضلوا من قبل، وسيضلون من بعد. . . هؤلاء الذين فتنتهم المادة، واستهواهم العقل، وزاغت بهم المناهج في بيداء قاحلة مجدبة. . . فعرضوا الذهب على النار كما يعرضون عليها الحديد والتراب. . . فاستبان لهم الهدى، وأنكشف لهم الحق، وظهرت لهم السبيل النيرة فدخلوا جنتك الممرعة. . .
. . . إنها يا سيدي رسول الله إغفاءة الروح التي استيقظت معها المادة، وصدأ النفس الذي