فاقت عليه الغريزة، وخبو الإشراق الذي سعى في ظلمته العقل، وكبر الحدس الذي نشط في خموده الذهن. . . وضلال الأهواء العاتية الذي فترت معه الأحاسيس. . فإذا رؤى الجمال، ومعاني الحق، ومثل الخير لا تنبجس في النفوس إشراقاً، ولا تنبعث في العقول إلهاباً، ولا تلقي في الروع إلقاء. . . وإنما هي في حاجة إلى المقدمات والحجج، وفي ضرورة إلى البيان والشرح!!
لشد ما أبغض أن ألقي جمال الزهرة في تشريح أجزائها ومعرفة أعضائها وتمزيق أوراقها وبتر سوقها، والهبوط بها من عرشها الزاهي. . .! إني لأفضل أن أترك هذا الأسلوب لطائفة غيري من الناس واسأل لهم منه العافية. . . فما يجب لنا أن ننشد جمال الزهرة في غير عرشها الزاهي، وتوردها الملهم، وساقها القائمة، وانحناءتها الحييَّة، وتفتحها بيد الله. . . لا بيد الإنسان!
فلْتعش سيرتك يا سيدي يا رسول الله. . . انفعالاً حلواً، وعاطفة لذيذة. . . وهيجاناً يذكر بآيات الله، ويقرب إليه، ويدنى منه. . . ولتبق هذه السيرة الكريمة فكرة ومثلاً. . . فكرة سامية نبيلة، ومثلاً عالياً كريماً. . . ولتخفق نفوسنا من حول هذه الفكرة، ولتحوم في ثنايا هذا المثل كما يحوم الحجيج حول البيت المقدس. . . في خشوع الإيمان القوي، وروعة الجلال المهيب، وإطراقة المستغرق الذاهل. . . ولتنطلق. . . وقد انعتقنا من هذه القيود، وبرئينا من هذه الأغلال، وتجردنا عن أوضار المادة وآثام العقل. . لنغتسل في أضوائك الطهور ونتمسح بهديك الرشيد، ونستقي أمواهك الألقة. . . ولنغب في دنياك البريئة عبرْ الفضاء البعيد البعيد. . . أرواحاً صافية صفاء النسيم، نقية نقاء السماء، خالصة خلوص الشعاع. . . لنلتقي في ظلال الروح الأعلى. . .
سأعب من كوثرك الخالد - يا سيدي يا رسول الله - فأنا ظمآن حرَّان. . . وسأقطف من جناتك المترعة، فأنا نهم شره، ولقد طال بي الظمأ، واشتد عليَ الجوع، وضل بي الركب في قافلة تظن الهداية وهي حيرى، وتدعي الهناءة وهي شقية، وتحسب الراحة وهي في عذاب غليظ، وتمضي على الشوك وينفر من جراحها الدم، فلا تدرك لذع الشوك وألم الدم. . . لأنها فقدت في الحياة النفسية أحفل عناصرها بالإحساس واشدها أثراً في التفكير وأقربها خطى من الخير. . . ولا تزال تزعم أنها في سند من جفاف العقل، وفي كفالة من