والسدود التي يقيمها البشر أبناء الحياة الواحدة للتفرقة فيما بينهم، هذا العنصر يتجلى ساعة يأخذ الإنسان في الانحدار من عالم الحياة، وساعة يحس بانحسار عنصر الحياة عن جسده؛ في ذلك الحين يحس بشعور أقوى من كل إحساس بعوامل التفرقة بين أبناء الحياة الواحدة، أقوى من الإحساس بالدين والوطن والجنس. وهذا الشعور يدفعه إلى أن يمد نفسه على رحاب الحياة وينسحب عليها متعلقاً بمظهرها الخالد المتأجج ناراً والمتجدد في أبناء الحياة من جيل إلى جيل، فيرى في كل إنسان أباً لأولاده.
إيه يا أبا حبيب!. . إن آخر الكلمات التي تزودتها منك دارت حول الأيمان والحياة، وهي كلمات لن تذهب معانيها وصورها من رأسي لأنها تدل على إيمانك العميق بالحياة، ومن هنا كانت رحابة اعتقادك التي تجوّز أن تكون الحقيقة حتى في كلام خصمك. . . خصمك في الاعتقاد والرأي، ومن هنا أيضاً فهمت سرّ اتساع أفق اعتقادك لآرائي التي كانت تقف على نقيض آرائك.
إيه يا أبا أديب!. . . لقد فقدْتُ بارتحالك شيئاً من نفسي كُنتَ ترده عليَّ حين ألقاك. وفقد أصدقاؤك بارتحالك إنساناً ودوداً براً. . . وما أقل الأناسي في هذا الزمان!. . . أنظر أيها الراحل الكريم من وراء أكفانك تجدنا جمع أصدقائك قد بلبلت أذهاننا فداحة مصابنا فيك. ها هو ذا صديقك (خليل) وأخوه (صديق) أنظرهما يبكيان فقدك. وهاهو (أدهم) الحبيب إلى نفسك الذي كنت تداعبه باسم (الحكيم) فقد اليوم حكمته؛ فقد تبلبل منه الذهن واختلطت في صدره المشاعر. لقد صدم الكل بارتحالك فذرفوا الدموع سخينة من أجلك. . .
إيه يا أبا سلوى!. . . لقد كنت باتساع أفق شعورك ورحابة مدى نفسك تغمرنا بروحك وترتفع بنفوسنا وتضرب لنا مثل الإنسان كما يجب أن يكون في هذه الحياة. ولو لم يكن لك غير هذا الأثر في نفوسنا معشر أصحابك لكفى أثراً لا تزول ذكراه
أما عن الأثر الأدبي الذي تركته للغتك فأغنيتها بأسلوبك الحي وبيانك الرفيع فإنه باق ما بقيت العربية. وأما عن الحياة التي حييتها نموذجاً لأصحابك فإنها باقية ما بقى أصحابك. فارقد في ظلال الأبدية تحت أشجار الأرز الخالد التي كنت تتمنى أن ترقد تحتها أيها الصديق الكريم. ولتنزل على روحك السكينة فإن أصدقاءك الذين تركتهم يبكون فقدانك سوف يؤدون دينهم نحوك وسيقومون بالعمل في الميدان الذي كنت تعمل فيه لتحرير هذا