للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مدلولُ خاصّ، هو اكتمال الحيوية والإحساس، فالعقاد يصادق بعنف، ويعادي بعنف، فأصدقاؤه ملائكة ولو كانوا شياطين، وأعداؤه أبالسة ولو كانوا ملائكة مقربين. وهو مستعد لخوض النار مع أصدقائه إن أوجب الوفاء أن يشاطرهم عذاب الحريق، أما أعداؤه فهو لهم بلاءُ وعناء، وهو يلقاهم في السر والعلانية بأقبح ما يكرهون.

وقد شاع وذاع أن العقاد رجلُ حقود، وهو كذلك، فالحقد من كبريات الفضائل في بعض الأحايين، وقد نُجزَي عليه خير الجزاء يوم الحساب، فالله أحكم وأعدل من أن يعاقبنا على تأديب من يحاولون الغض من أقدارنا الأدبية وهم جهلاء!

ما نظرت في شراسة العقاد مع خصومه إلا قلت: هذا رجل، والرجال قليل

وما نظرت في سماحة العقاد مع أصدقائه إلا راعني ما في طبعه من بشاشة وأريحية، فهو لهم عماد في جميع الظروف، وهم من أُخوَّته الوفيَّة في أُنسٍ أنيس

والواقع أن الرجولة لها تكاليف، وهي تجشّمنا مصاعب لا تخطر لأحد من الضعفاء في بال، فالرجل الحق هو الذي يقدر على الضر كما يقدر على النفع، أما المخلوقات (الرقيقة) التي تحاكمنا إلى شريعة (الأخلاق) في كل ما نكتبُ وفي كل ما نقول فهي شخوصُ بوائد خلَّفها التاريخ، كما يخلّف النهر العارم أو شاب العشب المعطوب.

الرجولة الحق تَفرض الشجاعة الحق، ولا تتم الشجاعة لرجل إلا إذا جاز أن تصل به أحياناً إلى التهور والجنون، لأن ضبط النفس لا يتيسر في كل وقت، كما يتيسر لبعض من يفهمون أن الرجل (الصالح) للانتفاع بالمجتمع هو المخلوق (المصقول)!

وما قيمة القلم إن لم نَخِزْ بسنانه عيون المتعالمين والمتعاقلين من حين إلى حين؟

وما حظ الأمة في أن يتخلق جميع أبنائها باللُّطف والظُّرف؟

أعاذنا الله من زيغ البصائر في هذا الزمن المخبول!

مطالعات العقاد في الكتب والحياة

العقاد في هذا الكتاب ناقد وكاتب، وقد خلص من الشوائب التي تعرِض له في بعض كتاباته النقدية أو السياسية، خلص خلوصاً مبيناً، فهو لا يلتفت إلى ما يحيط به من أحقاد الساسة أو ضغائن الأدباء، وإنما يخاطب العقل وجهاً إلى وجهه، ويسمو بنفسه إلى طلب المنزلة بين أهل الخلود.

<<  <  ج:
ص:  >  >>