للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والعقاد من هذه الناحية أقدر من طه حسين على ضبط النفس. نجد العقاد يقول في هامش بعض الفصول (من مقال نشِر في البلاغ) فما المراد من عبارة (من مقال)؟

كان المقال في الأصل يحوي فكرة باقية أضيف إليها التحامل على أحد المعاصرين، وهو حين يجعل مثل هذا المقال فصلاً من كتاب يحذف الجزء المشوب بالتحامل ويكتفي بالجزء الذي يصور فكرة باقية، ومن أمثلة ذلك ما صنع العقاد في كتاب (الفصول) ففي ذلك الكتاب فصل عن (المتأنقين)، وهذا الفصل أنشأه العقاد للسخرية من سعادة الأستاذ (أحمد لطفي السيد باشا)، ثم رأى أن يحذف تلك السخرية من جانبها الخاص، وأن يكتفي بجانبها الأصيل، وهو احتقار التأنق في تناول عظائم الشؤون.

أما الدكتور طه حسين بك فقد أساء إلى نفسه وإلى تاريخه حين عجز عن تهذيب مقاله عن (عنترة بن شداد) في الجزء الأول من الطبعة الثانية لكتاب (حديث الأربعاء) ففي ذلك المقال تعريضُ قبيح بمعالي الأستاذ عيسى باشا، وسيسأل الناس في المستقبل عن الموجب لذلك التعريض القبيح، لأنه لا يصدر عن رجل يتسامى إلى الأستاذية في الأدب والأخلاق.

وما أعيبه على الدكتور طه أعيبه على نفسي، فقد أثبتُّ في الطبعة الثانية من كتاب البدائع فصلاً دميماً عن (طه حسين بين البغَّي والعقوق) وهو فصل عانيتُ من شؤمه ضروباً من العقابيل، وعرَّضني لمكاره ومتاعب لم أدفع شرها إلا بنضال عنيف.

ومن أعجب العجب أن يكون عباس العقاد أقدر على ضبط النفس من زكي مبارك وطه حسين!

الشجاعة الأدبية

يمتاز كتاب المطالعات بالشجاعة الأدبية، فما المراد من ذلك؟ أيكون المراد أن العقاد يبطش ذات اليمين وذات الشمال بلا تدبُّر للعواقب؟

أيكون المراد أن العقاد لا يبالي ما عليه الناس من عقائد وتقاليد؟

لا هذا ولا ذاك، فالعقاد في هذا الكتاب يساير الناس يساير العُرف إلى أبعد الحدود، وإنما المراد أن العقاد يثور على العوامّ بقوة وعنف، والعوامّ في هذا المقام ليسوا هم الطبقة العديمة العلم والمعرفة من التجار والزُّراع والصناع، وإنما هم طبقة المثقفين من أبناء الجيل الجديد، والعقاد لمُ يضف هذه الطبقة إلى العوام بصريح المقال، وإنما أضافهم إليها

<<  <  ج:
ص:  >  >>