وهل أنت شاعر بما سترى؟ وبأي ثمن سوف تشتريه؟
وهل أنت موقن بأنك تبذل شيئا لا تملكه لقاء شيء أكيد؟
وهل تحس أن قواك كافية لمعركة هي أشد المعارك هولا! تلك المعركة التي تثور بين القلب والروح والعاطفة والفكر؟
وهل تملك جرأة وشجاعة تسعفانك في قتال (ثعبان) الشك الخالد، الكامن في داخلك؟
ألا فر، وأمعن في الأرض فراراً، إذا لم تكن واثقا كل الثقة بالدليل الذي تحمله في صدرك. فر من هذه الشواطئ المغرية قبل أن تلتهمك الهاوية. . . كثيرون هم أرادوا أن يمشوا نحو النور فوقعوا في ظلمات فوقها ظلمات.
ألا أن الطفولة تؤول حقا بصاحبها إلى نور الشفق!)
أن هذه المقطوعة تبين أن الشاعر قد نقم على الفلسفة وسئم معنوياتها. واستغنى عن هدايتها. وكان موفقا كل التوفيق في ممثليه مخاطرها.
ولكن هل كانت الفلسفة كلها شكا يعذب ويؤلم؟ هل تكون الحياة - وجميع أبوابها مغلقة - إلا هذا الشك المؤلم؟
والشاعر يبدي رأيه أكثر وضوحا في هذا النوع من الفلسفة في مقطوعته (صورة ساييس المحجوبة)
وهذه هي المقطوعة:
هجر الدار، ولم يعبأ بما ... ستذوق النفس من برح الألم
جاعلاً وجهته مصر، لكي ... يفهم الأسرار ممن قد فهم
هذه (ساييس) قد أرخت على ... وجهها ألف حجاب تلتثم
كل من يطلب يوماً ان يرى وجهها ... يبلى بأنواع السقم
لم يزد صاحبنا الا جوى ... زاد في القلب لهيبا وضرم
غافل الكهان عنها ليلة ... وتوارى تحت أسدال الظلم
رفع الأستار عنها ورأى. . . ... (هل رأى حين رأى غير عدم)؟
لم يقل عما رآه وثوى ... بخشوع تحت أقدام الضم
فبراه السقم حتى شفه ... وتردى جسمه حتى انهدم